×

كورونا تعيد الاعتبار للمسلمات المالتوسية ولو الى حين

كورونا تعيد الاعتبار للمسلمات المالتوسية ولو الى حين

Spread the love
مع انتشار جائحة الكورونا يعود توماس روبرت مالتوس الى الحياة من جديد. لعله يثأر من ماركس الذي اطاح بمسلماته. المالتوسية نظرية كلاسيكية في علم السكان
لعلها الاولى في العصر الحديث اذا ما اعتبرنا ان ابن خلدون تطرق الى هذه المسالة في القرون الوسطى.
تقول المالتوسية التي انتشرت اوائل القرن التاسع عشر، ان عدد السكان يتكاثر بمتوالية هندسية فيما تتكاثر المواد الغذائية بمتوالية عددية. ويرى ان عدد السكان يتضاعف كل ربع قرن فيما الانتاج الغذائي لا يتكاثر بالطريقة نفسها بل يقل عن ذلك بكثير الامر الذي يؤدي الى خلل تتدخل الطبيعة في تصحيحه ومن بين الامثلة التصحيحية الحروب والمجاعات والاوبئة.
لم تصمد المالتوسية طويلا في القرن العشرين حيث دخلت التكنولوجيا الى قطاعات الانتاج الزراعي والحيواني وصنعت ثورة في هذا المجال الى حد ان الحفاظ على الاسعار المرتفعة من اجل مواصلة الانتاج كان يؤدي احيانا الى اتلاف فائض الانتاج أي الفائض الغذائي الذي تسبب به التقدم العلمي و التكنولوجيا الحديثة.
لكن ما خسره مالتوس مع تنكولوجيا الانتاج الغذائي ربحه في الاوبئة التي انتشرت من بعد جراء هذه التكنولوجيا وبخاصة علف المواشي الصناعي الذي ادى الى جنون البقر وعودة الناس الى طلب منتجات صديقة للبيئة و الخشية من انفلونزا الطيور والدواجن والسراس واليوم كورونا « الوطواط ».
كنا قد ظننا ان مالتوس سقط بالضربة الماركسية القاضية لكننا نرى اليوم ان فرضيته ليست ميتة تماما فالعالم باسره يهتز جراء ما حذر منه اذ اكد ان الاوبئة والحروب والمجاعات هي التي تصحح الخلل بين نمو البشر وامكانات الطبيعة.
ولعل المالتوسيين يشعرون هذه الايام بمعنويات عالية ذلك ان ثلاثية معلمهم باتت مطروحة لتصحيح الخلل المشار اليه اذ من المتوقع ان تتسبب جائحة الكورونا بانهيار رأسمالي غير مسبوق وان يؤدي هذا الانهيار الى مجاعات هنا وهناك وهنالك وان تتسبب المجاعات بحروب من اجل البقاء اي الى الظواهر الثلاثة التي قال مالتوس انها ضرورية من اجل وضع حد للخلل المذكور.
واذا كانت الصين بحجمها الديموغرافي العملاق تصب الماء في طاحونة مالتوس وتواصل صبه بسبب تدخل الكورونا لتعديل الفائض السكاني فانها تذهب بعيدا في الصب لأنها تقدم عبر هذا الفيروس القاتل مثالا ملائما لمالتوس اي الجائحة التي لا دواء لها تماما كما في عصره حيث انتشرت اوبئة ادت الى موت ملايين البشر: هنا نتحدث عن الكوليرا والطاعون والسل وداء الكلب والحصبة والشلل وغيرها وقد وجدت ادوية ولقاحات لها لكن بعد سنين طويلة ومن المتوقع ان يتم العثورعلى لقاح ودواء للكورونا ولكن ايضا ولو بعد حين.
واذا كان نقاش المسلمات المالتوسية يطول، مع العالم الديموغرافي وضده، فان نقاش اثر الجائحة على عدد سكان الكرة الارضية وعلى مصيرهم امر مشروع تماما ويمكن الذهاب فيه بعيدا وهنا اكتفي بمثالين الاول يتصل بمصير الامبراطورية الرومانية والثاني بحملة بونابرت على مصر.
ينسب سقوط الامبراطورية الرومانية الى اسباب عديدة من بينها قوة « البرابرة » وقدرتهم على تدمير روما والانتقام من اهلها لكن « البرابرة » كانوا دائما حيث هم في محيط الامبراطورية فلماذا لم يدمروها من قبل؟ السبب براي عدد من المؤرخين الجدد يكمن في الطاعون الذي ضرب الامبراطورية وادى الى انخفاض عدد سكانها بنسبة كبيرة وثمة من يقدر عدد السكان الذين ظلوا احياء بالثلث وهذا العديد ما كان كافيا للدفاع عن الامبراطورية. ويعتبر احد المؤرخين الجدد كيلي هاربر من جامعة اوكلاهوما ان الطاعون جاء مع القوارض وان اثارها ظلت الى وقت طويل ماثلة بالهياكل الرومانية ومن بينها قلعة بعلبك التاريخية في لبنان.
اما حملة بونابرت عام 1798 فان الطاعون الحق اذى كبيرا بها وقضى على اخر امل للإمبراطور في البقاء في مصر. وقد بات معروفا ان الحملة الفرنسية استهدفت هذا البلد لإقامة مستعمرة و احتلال موقع استراتيجي على طريق الهند الشرقية والتحكم بخطوط المواصلات البريطانية. بعد سقط مصر، خسر بونابرت اسطوله في معركة ابي قير البحرية و صار لازما عليه ـــــ بانتظار امدادات من فرنسا ـــــ ان يتحرك برا لبناء امبراطورية في الشرق الاوسط. وقد خطر له اعتماد استراتيجية الاسكندر المقدوني فهاجم غزة والعريش وحاصر عكا وبعث برسائل الى اقطاب وقوى محلية في سوريا الكبرى للتعاون معه ضد العثمانيين حلفاء الانجليز. طال حصار عكا التي دافع عنها ببسالة احمد باشا الجزار، حاكمها الذي كانت البوارج البريطانية تمده بالمؤن والسلاح. بيد ان ظهور الطاعون بين جنود بونابرت ادى به الى صرف النظر عن احتلال عكا والعودة الى القاهرة والراجح ان الامبراطور خشي ان يتفشى الطاعون اكثر بجيشه فيصاب بضعف اكبر في عديده وقوته ويغري العثمانيين والبريطانيين بهزيمته في القاهرة وبالتالي حرمانه من فرصة الاحتماء بمصر تمهيدا للعودة الى فرنسا كما حصل لاحقا.
في هذين المثالين وفي امثلة اخرى كثيرة سنجد اثر الاوبئة الحاسم في مصير جيوش ومعارك وحضارات. والراجح ان اثر الكورونا على الديموغرافيا الغربية سيلعب دورا مهما للغاية في مصير الحضارة الليبرالية، وفي كل الحالات لن يبقى الغرب على حاله بعد هذه الجائحة واحسب اننا سوف نشهد ــــ مع هذه الجائحة ـــــ اعادة الاعتبار ل للمالتوسية ولو الى حين.

نقلا عن صفحة الكاتب فيصل جلول – فيسبوك

Laisser un commentaire

francais - anglais ..