محمد رمال – رأي اليوم – في يوم من ايام ثمانينات القرن الماضي احتلت محطة اجنبية فضاءنا التلفزيوني وفرضت علينا عنوةً صورتها “النقية” بقوة ارسالها المفبرك القادم من “دولة عظمى” وروت لنا من مخزونها البرامجي قصة الكاوبوي “المتمدن” و رواية السكان الأصليين “الهمجية” لكني اذكر أن أكثر برامجها رواجا وتلقفا من سكان المنطقة كان برنامج “المصارعة الحرة” الذي كان يُبث يوم السبت -على ما أذكر- وقد الهبت جولات وصولات “أبطاله” (المتفق عليها سلفاً) مشاعر المشاهدين و تحولت اوقات بثه الى ما يشبه ساعة حظر للتجول في شوارع القرى والبلدات المغلوبة على أمرها في ذلك الحين، وأذكر جيداً كيف كان يقفز جمهور البرنامج فرحا عندما يفوز “ابطاله” الأخيار وكيف كانوا يخرجون خائبين يوم تنتصر شلة الأشرار.
استمر هذا البرنامج سنوات عدة متربعاً على عرش البرامج الاكثر متابعة بالرغم من غياب “الرايتنغ” في تلك الحقبة الاحتلالية وضيق المساحة الجغرافية الذي يسمح في الواقع بتلمّس هذه المحصلة الافتراضية، وظل مصارعوه يؤدون دورهم القائم على فسطاطين إثنين: الأخيار منهم والأشرار، وتقلب بعضهم بين هذين المعسكرين التقليدين تبعاً لحبكة مدير أعمال كل فريق وما تفتقت به قريحته الاخراجية من استفزاز ومسكنة، وغالباً ما كنا نرى انقلاب أحدهم على معسكره لينتقل إلى الفريق الآخر ثم يعود عن اصطفافه ليقف بين ليلة وضحاها الى جانب من تخلى عنهم من دون مقدمات في أغلب الأحيان، باعتبار أن جمهور الصالة -الممول الرئيسي لهذا النوع من الفعاليات- ساذج سريع الصفح والغفران، تماماً كالمشاهد الذي يجلس خلف التلفاز متمنياً أن يكون على الحلبة مناصرا لهذا المصارع أو ذاك وموجهاً بنفسه اللكمات انتقاماً، وأحيانا أخرى متلهفا لضرب الحَكَم ذي القميص المقلّم المتغافل عن الغش والمخالفات مرارا وتكرارا.
المهم في استحضار هذا السرد من الذكريات هو أن ذلك المسلسل التمثيلي الرديء لم يختف من حياتنا وبقيت سيناريوهاته حاضرة وراسخة في مخيلتنا ليس من باب الانبهار في واقعيتها وحبكتها الدرامية وإنما في قدرتها على الانبعاث والصمود بالرغم من افتضاح سرها البدائي، وأعني بذلك تكرار السيناريو الرديء عينه في مسلسل شهير احتفل بيوبيله الماسي بالأمس القريب ويحمل اسم: “الكيان اللبناني” يلعب ادوار البطولة فيه المصارعون (الممثلون) أنفسهم و رواد الصالة المتحمسون الطائفيون الانتهازيون بعينهم وكذلك المخرج و الحكم والناقل التلفزيوني بذاته.
إنها الاعادة المملة لحلقات رديئة (اقله في العقود الثلاثة الاخيرة) وهي التكرار الذي لم يتعلم منه “الحمار” أبدا … يقدم لنا المنتج الموسم تلو الاخر ويسارع الجمهور لحجز حلقاته بثمن باهظ يعادل ودائعه المصرفية كاملة .. إنه المسلسل السمج الذي يدّعي معظم أبطاله أنهم ضحاياه ويزعم المشاركون فيه أنهم من متابعيه بصفة “شاهد” حصراً … مع هذا النوعية من الجمهور المتابع لن يكتب المؤلف الخاتمة المنتظرة وستبقى الحلقة الأخيرة معلقة على الأرجح ..ليس لعقم في المخيلة بل لأنه ببساطة لا يراهن سوى على موت المشاهد فقط.
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may affect your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. These cookies ensure basic functionalities and security features of the website, anonymously.
Cookie
Durée
Description
cookielawinfo-checbox-analytics
11 months
This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics".
cookielawinfo-checbox-functional
11 months
The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional".
cookielawinfo-checbox-others
11 months
This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other.
cookielawinfo-checkbox-necessary
11 months
This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary".
cookielawinfo-checkbox-performance
11 months
This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance".
viewed_cookie_policy
11 months
The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data.
Functional cookies help to perform certain functionalities like sharing the content of the website on social media platforms, collect feedbacks, and other third-party features.
Performance cookies are used to understand and analyze the key performance indexes of the website which helps in delivering a better user experience for the visitors.
Analytical cookies are used to understand how visitors interact with the website. These cookies help provide information on metrics the number of visitors, bounce rate, traffic source, etc.
Advertisement cookies are used to provide visitors with relevant ads and marketing campaigns. These cookies track visitors across websites and collect information to provide customized ads.