×

الرئيس عون : سأواجه كل من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة

الرئيس عون : سأواجه كل من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة

Spread the love
رسالة الرئيس عون الى اللبنانيين:
أيتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون،
يا نواب الأمّة،
رأيت من واجبي اليوم، انطلاقاً من قسمي ومن مسؤوليتي الدستورية ورمزيّة موقعي، أن أتوجه إلى الشعب اللبناني كما إلى نواب الأمة، من منطلق المصارحة الواجبة خصوصاً على مشارف الاستحقاقات الكبرى التي يتم فيها رسم خرائط وتوقيع اتفاقيات وتنفيذ سياسات توسعية أو تقسيمية قد تغيّر وجه المنطقة.
لقد شهدت منطقتنا تغيّرات سياسيّة كثيرة وعميقة بفعل عوامل إقليميّة ودوليّة، وهذه التغيّرات لم تظهر كلّ نتائجها بعد على صعد كثيرة، وقد تقلب الأمور رأساً على عقب.
من هنا السؤال المصيري والحتمي: أين نحن وأين موقع لبنان وما هي السياسات التي علينا أن ننتهج إزاء هذه التغيّرات والتفاهمات المحوريّة الكبرى، كي لا يكون لبنان متلقّياً وغير فاعل فيما نشهده، فيغدو فتات مائدة المصالح والتفاهمات الكبرى ؟
في سياق آخر، تدعوني تلك المصارحة أن أقول لكم إنني أعيش وجع الناس وأتفهم نقمتهم لكن الحقيقة توجب علي أن أذكّر بأنّ بعضاً ممن حكم لبنان منذ عقود، ولم يزل بشخصه أو نهجه، قد رفع شعارات رنّانة بقيت من دون أيّ مضمون، وكانت بمثابة وعود تخديريّة لم يرَ الشعب اللبناني منها أيّ إنجاز نوعي يضفي على حاضره ومستقبله اطمئناناً، فبقي الإصلاح مجرّد شعار يكرره المسؤولون والسياسيون وهم يضمرون عكسه تماماً، ينادون به ولا يأتون عملاً إصلاحيّاً مجدياً، بل يؤمّنون مصالحهم السلطويّة والشخصيّة بإتقان وتفان، حتى وصل بنا الأمر إلى أن أصبح الفساد في لبنان فساداً مؤسساتيّاً منظماً بامتياز، متجذّراً في سلطاتنا ومؤسساتنا وإداراتنا.
حين كنت ما أزال مُبعداً إلى فرنسا، كان شعار الإصلاح يصدح في لبنان، ولم أرَ منه حين عدت أيّ أثر من أيّ نوع كان، فحملت مشروع التغيير والإصلاح في محاولة لإنقاذ الوطن من براثن المصالح الفئويّة والشخصيّة والسلطويّة التي أودت بنا جميعاً إلى ما نحن عليه اليوم.
رفع المتضررون المتاريس بوجهي، وما زالت صفحات الإعلام المكتوب والمواقف في سائر الوسائل الإعلاميّة شاهدة على تصميم ممنهج من هؤلاء بعدم تمكيني من أيّ مشروع إصلاحي بمجرّد أنّه نابع من اقتناعي ونهجي.
أسأل اليوم : ما هي الحال الاجتماعيّة لشعبنا في ظلّ غياب منظومة الحماية الاجتماعيّة الشاملة، المعروفة بضمان الشيخوخة، والتي وضعت اقتراح قانون بشأنها، إبّان عودتي من الإبعاد، لم يجد بعد طريقه إلى الإقرار؟
أين التقديمات الطبيّة والعلاجيّة والاستشفائيّة الشاملة لشعبنا، وقد ضاقت به الأحوال بفعل إهمال وضع أيّ سياسة اجتماعيّة ناجعة تقيه غدر الزمن؟
أين نحن من رفع الدعم على موادنا الحيويّة التي نستورد معظمها ولا نضبط استفادة شعبنا من دون سواه منها؟
أين الاقتصاد بعد أن أكل ريعه مدخرات اللبنانيين وجنى عمرهم، في حين أننا كنا ننادي وما زلنا بالاقتصاد المنتج؟
أين الخطة الاقتصادية ومن أفشل تطبيقها؟
أين برنامج الاستثمار العام (CIP) ومن أبقاه حبراً على ورق ؟
أين الخطط الإنمائيّة القطاعيّة التي وضعها مؤتمر CEDRE ومن تقاعس عن تنفيذها؟
أين خطة الكهرباء التي تنام في الأدراج منذ سنة 2010 ولم يحدد لها أيّ اعتماد أو إطار تنفيذي بالرغم من إصرارنا عليها كي لا يظلّ اللبنانيون أسرى العتمة وكلفة المصادر المتعددة للطاقة المحرزة؟
أين خطة السدود من تجميع ثروة لبنان الطبيعيّة، المياه، التي تنبع من جوف أرضنا وتذهب سدى من أنهرنا إلى بحرنا ؟
في بدايات عهدي، أيقظت مراسيم الاستكشاف والتنقيب عن الغاز في بحرنا بعد سبات عميق، والغاز ثروة طبيعيّة لها حجمها وآثارها الإنقاذيّة لأوضاعنا الاقتصاديّة المتردية، في حين أنّ التشكيك لا يزال سائداً لدى مروّجي التشاؤم من بعض من يتولّى الشأن العام.
أين سائر مشاريع الإصلاح؟ اين ال 47 بنداً التي عرضت على رؤساء الكتل والأحزاب جميعاً في لقاء جامع في قصر بعبدا، فاعتمد جزء كبير منها ولكن لم ينفذ شيء؟ لماذا تم الهروب من تحمل المسؤولية واقرار مشاريع الاصلاح؟ ولمصلحة من هذا التقاعس؟ وهل يمكن اصلاح ما تم إفساده باعتماد السياسات ذاتها؟
أين اقتراحات قوانين الإصلاح من استعادة الأموال المنهوبة والتحقيق التلقائي في الذمّة الماليّة للقائمين بخدمة عامة والمحكمة الخاصة بالجرائم الماليّة؟ أين نحن من هدر المال العام والحسابات المفقود أثرها في وزارة المال ومشاريع قطوعات الحسابات ؟
أين نحن من هيئة الإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين وصندوق مجلس الجنوب والمؤسسات العامة غير المنتجة، والتي توافقنا على إلغائها لوضع حدّ للنزيف المالي الحادّ فيها ومن جرّائها ؟
أين نحن من مبادرة الإنقاذ مما حلّ بنا، سواء اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً أو نقديّاً أو ماليّاً أو لجهة إعادة إعمار بيروت بفعل انفجار المرفأ المأساوي ؟
أين نحن من برامج المساعدة ومن المبادرة الفرنسيّة الاقتصاديّة الإنقاذيّة والمباحثات مع صندوق النقد الدولي ومساهمات مجموعة الدعم الدوليّة في عمليّة الإنقاذ ؟
أين القضاء من سطوة النافذين.
وأخيراً وليس آخراً، أين نحن من التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، وهو قرار حكومي يهدف إلى معرفة أسباب الإنهيار الحالي وتحديد المسؤولين عنه من فاعلين ومتدخّلين ومشاركين؟ هذه التجربة الرائدة أتى من يعترض عليها ويعرقلها ويناور لإفشالها.
إنّ صمت أيّ مسؤول، وعدم تعاونه بمعرض التدقيق الجنائي، إنما يدلان على أنّه شريك في الهدر والفساد. فهذه التجربة، إذا قدّر لها النجاح، ستنسحب على الوزارات والمجالس والصناديق والهيئات واللجان والشركات المختلطة كافة من دون استثناء، وسوف تسمح بتحديد المسؤوليات وانطلاقة الاصلاحات اللازمة وصولا الى إزاحة الفاسدين فمن يجرؤ على توقيفها؟؟ وكيف يمكن أن ندّعي الإصلاح ومحاربة الفساد ونعطّل في الوقت نفسه أهم إجراء يمكّننا من كشف مكامن الفساد وأسبابه والفاسدين؟ وهل يمكن ان يسكت اللبنانيون، شعباً ونواباً واعلاماً عن ذلك؟
أيها اللبنانيون
اليوم مطلوب مني أن أكلّف ثم أشارك في التأليف، عملاً بأحكام الدستور، فهل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد واطلاق ورشة الاصلاح؟ هذه مسؤوليتكم أيها النواب، فأنتم المسؤولون عن الرقابة والمحاسبة البرلمانيّة باسم الشعب الذي تمثّلون، وأنتم اليوم مدعوون باسم المصلحة اللبنانيّة العليا لتحكيم ضميركم الوطني وحسّ المسؤوليّة لديكم تجاه شعبكم ووطنكم، سيّما أنّه مرّ عام على 17 تشرين وما يحمل من دلالات غضب المواطنين ومن رفعهم شعار «كلن يعني كلن»، ما يشمل الصالح والطالح منا.
قلت كلمتي ولن أمشي، بل سأظلّ على العهد والوعد، وأملي أن تفكروا جيّداً بآثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة، ذلك لأنّ الوضع المتردّي الحالي لا يمكن أن يستمرّ بعد اليوم أعباءً متراكمة ومتصاعدة على كاهل المواطنين.
سأبقى أتحمل مسؤولياتي في التكليف والتأليف، وفي كل موقف وموقع دستوري، وبوجه كل من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة.
عشتم وعاش لبنان.
وبعد انتهاء الكلمة دار حوار بين الرئيس عون والصحافيين حيث أجاب رئيس الجمهورية على سؤال في شأن مطالبته بحكومة تكنوسياسية وكيفية القيام بورشة اصلاح مع هكذا حكومة علماً ان صاحب الكتلة السنية الأكبر هو من سيتولى رئاسة هذه الحكومة حكماً فقال: « انا لم اطالب بأي نوع من الحكومات، ولم احدده، فالاستشارات هي التي تحدد شكل الحكومة. »
ورداً على سؤال حول نسبة كلفة الكهرباء على الدين العام، قال رئيس الجمهورية: « لقد ذكرت امراً واضحاً في كلمتي، انّ خطة الكهرباء اقرّت في العام 2010، ومنذ ذلك الوقت لم يخصص أي اعتماد لتنفيذها. نحن كنا مصرّين على هذه الخطة، واذا ما راجعنا محاضر مجلس الوزراء يتبيّن لنا اذا ما كان تم تخصيص أي مبلغ لتنفيذها ام لا. ومن عطّل الامر قال في حينه انه يفاخر بأنه المعطِّل ».
وسئل الرئيس عون عن كيفية مواجهة المتغيرات في المنطقة اذا لم يتم الاتفاق على اسم في الوفد المفاوض في ترسيم الحدود الجنوبية البحرية بعد اعتراض الثنائي الشيعي على تسميته لاعضاء الوفد فأجاب: « لقد دعوت سابقا الى لقاء حوار في القصر الجمهوري لمعالجة المواضيع القائمة وبحث المتغيرات في المنطقة، وتحديد سياستنا تجاهها لأن الامور تغّيرت كلّها تقريبا. ومن الضروري اعادة النظر في ما آلت اليه الامور. »
وعن الاطار الذي سوف يعتمده في مسار التأليف والتكليف لتنفيذ الافكار الاصلاحية المصّر على تنفيذها منذ عودته الى لبنان، اكد رئيس الجمهورية « ان المطالب معروفة وهناك برنامج الحكومة الذي سيتضّمنه البيان الوزاري ومن ثم التنفيذ، وعلى النواب القيام بواجباتهم في هذا الاطار، فنعرف حينها اذا ما تم الالتزام بالتنفيذ ام لا. ونحن موجودون اذا لم يقم احد بواجباته. »
تعطيل التحقيقات المالية
وسئل عن وجع الناس والوضع المتردي وما الذي يمكن للرئيس القوي ان يفعله لهذا الشعب، فأجاب: « لقد حصلت كوارث كثيرة في المرحلة الراهنة، ونحن أيضا في حالة افلاس حصلت بالتدرج منذ زمن طويل حتى بدأت بالظهور منذ العام 2016 في الهندسات المالية، ووصلت الى الذروة، حيث استمر الامر بالتفاقم، لذلك فإننا نطالب بالتحقيق الجنائي لنعرف الاسباب التي أوصلتنا الى هنا، فقد تكون حتمية، ونحن لا نتهم أحدا، وربما كان هناك فساد وفاسدون أوصلوا الأمور الى هنا. ولكي لا يبقى المواطنون يوجّهون الاتهامات الى هذا او ذاك، ليس هناك سوى التحقيق الذي يعطي براءة الذمة او يؤدي الى الاتهام. نحن نتكلم بشكل عام، وانا اسأل لماذا يتم تعطيل التحقيق وتوقيفه، هذا ما لا افهمه. كيف علينا ان نقوم بإصلاح مالي ونحارب الفساد اذا لم نقم بالتحقيق لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ما وصلنا اليه، ومن كان السبب في ذلك لكي نعمل على ازاحته. هذا هو المهم. »
وسئل رئيس الجمهورية عن الاستراتيجية الدفاعية التي لم يأت على ذكرها في رسالته اليوم، وهل من الممكن ان نرى إقرارها قبل نهاية العهد، فأكّد « انّه بعد الانتهاء من تأليف الحكومة، سنعقد اجتماعا في القصر الجمهوري لدراسة كافة الامور الكبرى المطروحة حاليا او المستجدة. « 
مواجهة الباطل
وحول الكلام عن مصير مجهول بعد عملية تكليف رئيس جديد للحكومة غداً، رد الرئيس عون متسائلا: « لماذا المصير مجهولا؟ عندما ننتهي من الاستشارات نرى بنتيجتها من ستتّم تسميته حسب أصوات النواب الذين سيختارونه، وانا لا اضع أي « فيتو » على احد. وهناك امر اود توضيحه لكم: لقد خسرت سنة و14 يوما حتى الآن من عهدي بسبب تأليف الحكومات السابقة التي كانت برئاسة الرئيس الحريري. و »قامت قيامة » الجميع عليّ لأنني اخّرت الاستشارات أسبوعا ، وقلت له ان هناك مشاكل أحاول ان احلها، والآن عددت هذه المشاكل. »
وعن امكان الدعوة الى حوار وطني لتصبح الطبقة السياسية امام واقع وجوب تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، اعتبر رئيس الجمهورية انه اذا تأخر في الدعوة الى الاستشارات يصبح متهماً ولا يقف احد عند مسألة ضمان تنفيذ الاصلاحات. فعند تأخير الاستشارات النيابية اسبوعاً لحل بعض المشاكل، « اتّهمنا بالعرقلة، وصاحب العلاقة يعلم تماماً سبب اتخاذنا هذا القرار ».
ورداً على سؤال حول عدم قيامه بمبادرة لجمع اكبر تكتل نيابي مسيحي (اي التيار الوطني الحر) مع اكبر تكتل نيابي سني (تيار المستقبل) لانقاذ البلد والبدء بالاصلاحات، اوضح الرئيس عون ان المبادرات حصلت من اصدقاء مشتركين بين الاثنين و »ما زبطت » ، و »انا من موقعي اصبح طرفاً اذا تدخلت، وقد يجعلني البعض طرفاً ولو كنت حكماً ».
وسئل الرئيس عون عن طريقة تعاطيه مع الاصدقاء والاخصام الذين عطلوا مشاريعه الاصلاحية في ظل معاناة الناس، فأجاب: « كانت الطريقة سابقاً تقضي بالوصول الى تسوية لمنع المشاكل والحفاظ على الاستقرار، انما اليوم هذه السياسة لم تعد تصلح، ويجب علينا البحث عن الحقيقة ودعمها وان نواجه الباطل. لم يعد من المجدي الاستمرار في الاسلوب نفسه، ومن يحب شعبه ويريد العمل فعليه التغيير، ولن نقبل بغير ذلك ».
احترام الدستور
وفي ما خص ترسيخ عرف جديد من خلال تأخير الاستشارات وانعكاسها على الدستور، اكد الرئيس عون انه يستند في كل قراراته الى الدستور ومواده، والتي لا تكون شعبية في بعض الاحيان، فيما من ينتقد يكون احياناً غير ملمّ بالدستور.
وسئل عما قاله في بداية كلمته وعما اذا كان يستشعر خطراً مباشراً على لبنان، فشدد على ان لبنان « كان ضمن منظومة كبيرة في جامعة الدول العربية وفي سياق موقف موحد. اليوم، الدول الاساسية في الجامعة تغيّرت مواقفها في المواضيع الاساسية والدول الاخرى تلحق بها، وسنصبح شيئاً فشيئاً في عزلة، ونحن الدولة العربية الاصغر، لذلك اسأل اللبنانيين عما يجب فعله. »
ورداً على سؤال حول صعوبة الوضع الحالي وامكان وجود امل بالخروج منه، اكد الرئيس عون ان المرحلة قاسية جداً « وتحدثت عنها في 14/5/2019 في حفل الافطار الذي اقيم في قصر بعبدا، وحذرت من ان عدم التنازل عن بعض الامتيازات الحالية، سوف يخسرنا كل شيء، وذلك بحضور رئيسي مجلسي النواب والوزراء واعضاء الحكومة والنواب والصحافيين. وأضفت اننا سنتلقى الفاتورة القاسية من مراجع دولية ولن تكون لنا القدرة على تحملها. وقلت ان المواطن يتهرب من دفع متوجباته للدولة بسبب وجود غبن بينه وبينها وعدم ثقة، فهو لا يعلم مصير الضرائب التي يدفعها والى اين تذهب، لذلك على الدولة استرجاع المواطن الى لبنان واستعادة ثقته. وما يمكنني فعله هو تنبيه المعنيين، فأنا لا يمكنني التشريع ولا التنفيذ بل التوجيه وقمت بما عليّ في هذا المجال، ورغم ذلك يحمّلونني المسؤولية ».

Laisser un commentaire

francais - anglais ..