×

الازمة الاوكرانية وارتفاع اسعار البترول

الازمة الاوكرانية وارتفاع اسعار البترول

Spread the love

ارتفعت أسعار النفط  إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008، ما يعيد للأذهان الأزمة التي شهدها العالم في ذلك العام وأزمات أخرى سابقة، ويثير المخاوف من أزمة جديدة تزيد من الاتجاه التضخمي الذي يشهده العالم بالفعل، من جراء التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 وارتفاع الطلب على الخام. فهناك زيادة في الطلب وقلة في المعروض بالفعل بسبب عدم وصول الدول المنتجة للنفط مثل « أوبك » إلى مستوى حصصها الإنتاجية، فهناك على سبيل المثال عجز في إنتائج « أوبك بلاس » نحو 900 ألف برميل. وهذا الأمر يجعل الاسواق « حساسة لأي متغيرات إضافية »، مثل الأحداث الجيوسياسية كالغزو الروسي لأوكرانيا، ودراسة فرص عقوبات على النفط والغاز الروسيين وهو ما يتم الحديث عنه في البيت الأبيض والكونغرس حاليا. ان زيادة أخيرة في الأسعار بسبب تعليق إنتاج النفط من حقلي الشرارة والفيل في ليبيا من جراء أعمال تخريب، مما أدى إل نقض الإنتاج بمعدل نحو 400 ألف برميل. ووصلت أسعار النفط إلى نحو 138 دولار للبرميل، الاثنين، بعد سلسلة متواصلة من الارتفاعات مؤخرا، قبل أن تنخفض مجدا، اليوم أيضا، مع انخفاض وتيرة الحديث في الولايات المتحدة وأوروبا عن حظر قريب لصادرات النفط الروسي، علما إن الولايات المتحدة وأوروبا لم تتخذا أي إجراء رسمي بهذا الصدد، لكن البحث لايزال جاريا عن بدائل. وأدى الحظر الغربي المحتمل على النفط الروسي إلى ارتفاع كبير في أسعار الخام مجددا، وسط مخاوف بشأن المعروض في السوق وتراجع احتمالات عودة سريعة للخام الإيراني إلى الأسواق العالمية.

وفي الدقائق القليلة الأولى من التداول، وصل خام برنت إلى 139.13 دولارا للبرميل ، وبلغ خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 130.5   دولارا ، مسجلين أعلى مستوى لهما منذ يوليو 2008. كما ارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير، وقفز سعره الأوروبي 60 في المئة إلى أكثر من 300 يورو لكل ميغاوات/ساعة. وبعد الظهيرة بتوقيت غرينتش، تراجعت الأسعار مرة أخرى، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 6.3 في المئة إلى 125.55 دولارا للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 6.7 في المئة إلى 123.37 دولارا. وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد أعلن، أن الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين يبحثون حظر واردات النفط الروسي، بينما ينسق البيت الأبيض مع لجان الكونغرس للمضي قدما في هذه الخطوة

تاريخ الازمات

ويعود الاهتمام العالمي بالنفط إلى فترة الحرب العالمية الثانية التي استنزفت احتياطات هائلة من الذهب الأسود لصالح العمليات الحربية. وفي الفترة التي تلت الحرب، اندلعت عدة أزمات جعلت النفط موردا أساسيا، خاصة في الولايات المتحدة،  اضافة الى أزمات كبرى عديدة لعب النفط فيها دورا رئيسيا، بدءا من أزمة السويس عام 1956 إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990. وخلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، فرض الأعضاء العرب في منظمة « أوبك » حظرا على الولايات المتحدة ردا على قرارها إعادة إمداد الجيش الإسرائيلي، وفق تقرير لموقع وزارة الخارجية الأميركية.  وأدى هذا الحظر إلى تضاعف سعر برميل النفط نحو أربع مرات وإحداث « توتر شديد في الاقتصاد الأميركي الذي بات يعتمد بشكل متزايد على النفط الأجنبي ». هذا الأمر دفع إلى تقنين البنزين وزيت التدفئة في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، حيث طلب أحيانا من السكان عدم استخدام الإنارات التجارية أو أضواء الكريسماس وبيع البنزين في أوقات معينة. ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 ودخول البلاد في حالة اضطراب، انخفضت معدلات إنتاج النفط نحو 4 في المئة ليتضاعف سعر البرميل. ورغم استئناف إنتاج النفط في إيران، إلا أنه ظل غير منتظم وأدت الحرب العراقية الإيرانية إلى قلة المعروض مع انخفاض إنتاج البلدين. وعندما غزا صدام حسين الكويت في عام 1990 تضاعف سعر النفط في غضون أشهر قليلة. وعلى الرغم من أن التدخل السريع للولايات المتحدة منع السيناريو الأسوأ، إلا أن القوات العراقية المنسحبة انتهجت سياسة الأرض المحروقة، حيث أشعلت النار في حقول النفط الكويتية. واشتعلت هذه الحرائق لعدة أشهر، ما ألحق أضرارا جسيمة بإيرادات النفط الكويتي، ورفع الأسعار حول العالم. وشهد منتصف العقد الأول من القرن الـ21 مزيدا من التقلبات في سوق النفط بسبب التوترات في الشرق الأوسط، وزيادة الطلب من الاقتصادات الناشئة مثل الصين، والمخاوف المتزايدة بشأن تقلص احتياطيات النفط. وانعكست هذه المخاوف في أسعار النفط وبلغت ذروتها في يوليو 2008 عندما بلغ سعر البرميل 147.30 دولارا، ليرتفع نحو خمسة أضعاف في خمس سنوات، ثم حدثت الأزمة المالية والركود الذي أعقبها، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط والغاز من 133.88 دولارا إلى 39.09 دولارا في أقل من عام.

تجدد الازمة

وجاء في مذكرة صادرة عن بنك أستراليا الوطني (أن بي أيه)، الاثنين، حول أسعار النفط المرتفعة حاليا إنه « إذا لم تتوقف الحرب (على أوكرانيا)، لا يظهر أي شيء في الأفق من شأنه إبطاء » ارتفاع اسعار النفط. وقال جيوفاني ستونوفو، محلل السلع في يو بي إس » لرويترز « نعتبر 125 دولارا للبرميل، وهي توقعاتنا على المدى القريب لنفط برنت، بمثابة سقف للأسعار، على الرغم من أن الأسعار قد ترتفع أكثر في حالة تفاقم الاضطرابات أو استمرارها لفترة أطول ».  وقال محللون في بنك « جيه بي مورجان » لفرانس برس إن النفط قد يرتفع إلى 185 دولارا هذا العام.

البحث عن بدائل

وفي محاولة لوقف الحرب في أوكرانيا، تدرس الولايات المتحدة أوروبا وقف صادرات النفط الروسي، لكن الصادرات الروسية تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا، أو 7 في المئة من الإمدادات العالمية. ورغم أنه لا يخضع راهنا لعقوبات مباشرة نظريا، إلا أنه لا يجد من يشتريه تقريبا مما يؤثر كثيرا على العرض العالمي. ويقول سايمون: « هناك أيضا حالة عدم يقين هائلة بشأن ما ستفعله روسيا، ويبدو أنها مصممة على الاستمرار في خطتها على الرغم من الانتكاسات الني تعرضت لها في أوكرانيا وهنا يبقى السؤال: ماذا يمكننا أن نفعل لوقف بوتين؟ ». وقال « موقع سويس كوت بنك » إن فرض عقوبات على قطع النفط الروسي سيؤدي إلى زيادة الضغط على أسعار النفط، مما قد يرفع سعر البرميل فوق 150 دولارا في المستقبل المنظور ». وقال محللون في « بنك أوف أميركا » إنه إذا تم قطع معظم صادرات النفط الروسية، فقد يحدث عجز بنحو خمسة ملايين برميل يوميا أو أكثر، مما يدفع الأسعار إلى ارتفاع يقترب من 200 دولار للبرميل. وفي مساعيه للبحث عن بدائل للنفط الروسي، ينتظر الغرب إيجاد صفقة نووية مع إيران تسمح لها باستناف صادرات النفط لتعويض النقص من المعروض الخام في العالم. لكن الغموض اكتنف محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني بعد أن طالبت روسيا بضمان أميركي بأن العقوبات التي تواجهها بشأن الصراع في أوكرانيا لن تضر بتجارتها مع طهران. وقالت مصادر لرويترز إن الصين رفعت مطالب جديدة.   فالعملاء الأميركيين والشركات الأميركية في الاستمرار في شراء النفط أو المنتجات النفطية من روسيا بسبب « العواقب السلبية المحتملة التي قد تحدث لهم ». « ولا تريد الولايات المتحدة العمل على هذا الملف بشكل مستقل مع أوروبا، والأخيرة أيضا مترددة في اتخاذ هذه الخطوة ». و الوضع الحالي مزيج من محاولة تجنب النفط الروسي واستبداله على المدى الطويل من خلال تنشيط إنتاج الزيت الصخري والغاز الصخري وهذا سيساعد في حل المشكلة لكن سيحتاج لعدة أشهر إن لم يكن سنوات حتى نبدأ مرة أخرى ». أن الولايات المتحدة تستطيع تحمل وقف صادرات النفط الروسي فواردتها لم تتعد 700 ألف برميل قبل شهرين، في حين أن دولا أوروبية تعتمد على على 50 إلى 60 في المئة من حاجاتها النفطية على روسيا. وهناك العديد من الأسئلة التي لا نعرف إجابات لها حتى الآن: هل ستكون هناك عقوبات رسمية على صادرات النفط الروسية؟ وهل ستكون من قبل الولايات المتحدة أم أوروبا

 الخليج وعودة النفط الايراني

وعارضت الولايات المتحدة وفرنسا محاولة موسكو عرقلة جهود التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في « محاولة خلق فجوة في العقوبات عليها بسبب الحرب في أوكرانيا » بحديثها عن مصالح تجارية مع طهران ينبغي ألا تمس بعد رفع العقوبات على طهران، وأثر هذا على موقف طهران التي « دعت إلى الحاجة لاتفاق جديد يرضي جميع الأطراف ». وقال مسؤول أمني إيراني كبير إن التوقعات بشأن المحادثات « لا تزال غير واضحة ». احتمالية عودة النفط الايراني إلى الاسواق بعيدة، بعد أن باتت قريبة جدا قبل أيام، وذلك بسب الشق الذي خلقته روسيا بمعاونة إيران ».وقالت أمريتا سين، الشريك المؤسس لشركة أمريتا سين لرويترز: « كانت إيران هي العامل الحقيقي الوحيد الذي يخيم على السوق، ولكن إذا تأخر التوصل إلى اتفاق نووي، سنصل إلى أدنى مستويات إنتاج النفط بشكل أسرع، خاصة إذا ظلت البراميل الروسية خارج السوق لفترة طويلة ». وحتى لو تم إبرام صفقة نووية، يتوقع محللون تحدثوا لفرانس برس أن تحتاج طهران إلى عدة أشهر لتكون قادرة إلى تصدير النفط. وفي حال دخول إيران الأسواق وتم إقناع « أوبك » بزيادة الإنتاج، سيمكن للغرب فرض العقوبات على النفط الروسي « بكل أريحية ». و بإمكان دول الخليج مثل السعودية والإمارات التدخل لزيادة الإنتاج من خلال وقف العمل مع روسيا في « أوبك بلاس » وزياردة الإنتاج إلا أنه لا يبدو أنها ستقدم على هذه الخطوة. أن واشنطن تضغط على الرياض في هذا الاتجاه إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الرياض تغير وجهة نظرها في الوقت الحالي أن أسعار النفط ستعتمد في الفترة المقبة على مسألة القرار بشأن صادرات الطاقة الروسية، التي تواجه عقوبات تلقائية بالفعل زادت من الأسعار مثل إحجام المستثمرين والمصافي وحتى البنوك على شراء النفط الروسي بالإضافة لتكاليف المخاطر والتأمين وغيرها. وفي حال لم تتوافر بدائل وتم فرض عقوبات على روسيا، سترتفع الأسعار إلى أكثر من 180 دولارا للبرميل لضيق السوق أصلا،   لكن إذا تم إيجاد بدائل، يمكن حينها أن تبقى الأسعار الحالية عند 120 دولار لبرميل، وقد تنخفض إلى نحو 80 دولارا لو عملت الإمارات والسعودية بكامل طاقتهما. و الأسعار قد تنخفض أيضا مع تخلص المستثمرين من القلق بسبب النفط الروسي وتراجع ما يسمى « علاوة المخاطر » التي يفرضها المستثمرون بسب الغزو الروسي والتهديد النووي الروسي، والتي تقدر حاليا بنحو 20 دولا للبرميل ووقف الحرب في أوكرانيا التي تستهلك نحو مليون برميل يوميا. فلو حدث وقف لإطلاق النار او انسحاب للقوات الروسية أو حدثت تغييرات استراتيجية في الحرب، سوف « نشهد انخفاضاتداعيات على العالم ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية بأكثر من 60 في المئة منذ بداية عام 2022، إلى جانب السلع الأخرى، زادت المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي والتضخم. ونبه صندوق النقد الدولي، السبت، إلى أن تصاعد النزاع في أوكرانيا ستكون له تداعيات اقتصادية « مدمرة » على المستوى العالمي، وسيكون للعقوبات المفروضة على روسيا « تأثير كبير جدا على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية مع تداعيات جانبية على دول أخرى » وفق الصندوق ولفت الصندوق إلى أن « الارتفاع في الأسعار سيكون له تأثيرات في جميع أنحاء العالم، لا سيما على الأسر ذات الدخل المحدود التي تكرّس للغذاء والطاقة نسبة أكبر » من ميزانيتها من المعدّل. في حين أصبحت آفاق النمو الاقتصادي قاتمة، فإن التضخم أسوأ لأن أسعار الطاقة والمواد الأولية الزراعية ارتفعت بشكل كبير منذ مطلع العام، وهذا المزيج السلبي يطرح مشكلة كبيرة للبنوك المركزية ». وقال بنك « سويس كوت » إن ارتفاع أسعار النفط والسلع قد يؤدي إلى دفع الاقتصادات الأوروبية إلى ترشيد الاستهلاك وإلى التأثير على الانتعاش الاقتصادي وأرباح الشركات في عام 2022

Laisser un commentaire

francais - anglais ..