×

نجاحات كبيرة لأبناء المهاجرين …. ولكن؟

نجاحات كبيرة لأبناء المهاجرين …. ولكن؟

Spread the love

لا تلوموا من يبدع في الاغتراب، بينما في وطنه يضيع في أحلامه.. لكل شيء في هذه الدنيا وجهان، الحرب إحدى هذه الأشياء، رأينا من وجهها الأسود الكثير، من ظلم وقتل وتشريد وموت وعطش وتدمير، ولكن وجهها الآخر كشف لنا عن كنوز كانت مختبئة، أو بالأحرى كانت تحاول العوم في مستنقع لا سبيل فيه إلا أن تكون بالقاع.   نتلقى أخبار العرب والافارقة وغيرهم  الذين يبدعون في الاغتراب في مختلف المجالات الرياضية والاقتصادية والسياسية ….  بشعور كبير بالفرحة والفخر، لكن أيضاً بشعور من الألم، فهؤلاء كان حريٌّ بهم أن يبدعوا في أوطانهم، لكن هل نلومهم؟ هل قدّمت لهم أوطانهم أنصاف الفرص التي قُدّمت لهم في الاغتراب؟ هل دعمتهم أوطانهم نصف الدعم الذي تلقّوه في الغربة؟

 

صراع مع الواقع

هؤلاء الشباب هم طاقة الأمة، ومن أراد العبث في هذه الأمة، عليه بشبابها، إن استطاع أن يجعلهم يلهثون وراء أساسيات الحياة من طعام وشراب ومسكن، فقد استطاع أن يضيّع هذه الأمة وهذا ما حصل. يكبر الشاب فينا في صراعٍ بين أحلامه وبين الواقع، يريد أن يصنع شيئاً يغير فيه وجه العالم، ولكنه يرى نفسه في صراعٍ بين أن يجد لقمة يأكل منها ومسكن يستره في آخر الليل، أو بين أن يجعل تفكيره وانشغاله في مجالات يتطور فيها ويبدع. الغرب اختلف عنا في نقطة واحدة فقط، آمنوا بأن الثروة الأكبر لهم في أوطانهم هي الشعوب، خاصة الشباب، فوقفوا خلفهم ودعموهم ووفّروا لهم كل شيء لا لكي ينجحوا فقط، لا، وإنما لكي يقفوا مجدداً بعد كل محاولة فاشلة يتعرضون لها.. بينما نحن اليوم تتفنّن أوطاننا في إيجاد السبل لتقول لمن بقي فيها، الحق بالبقية، أو عليك أن تعيش مواطناً عاديّاً هنا. نتشدّق بالمشاهير الذي ينتمون إلى أصول عربية ونفتخر بهم، لا بأس في ذلك، فلعلم يكونون واجهة مشرقة لنا في الخارج، لكن في الوقت نفسه علينا أن نسأل أنفسنا، ما كان مصير هؤلاء العباقرة لو كانوا ما يزالون في بلدانهم، نعم البعض استطاع النجاح في وطنه لا يمكننا أن ننكر ذلك، لكن عددهم قليلٌ جدّاً، آن الأوان لكي يُعطى الشباب فرصة في أوطانهم، هذا الجيل الجديد الذي نشأ في وقت يعيش فيه العالم ثورة تقنية كبيرة، هذا الجيل الذي يمكنه الآن إن أعددناه جيّداً بعيداً عن الشعارات أن يكون أملاُ لنا لننهض من جديد، أو على أمّتنا السلام. سنوات طويلة ونحن نستنزف شبابنا في حروب ومواجهات لم يدفع أحد ثمنها كما دفعناها نحن وشبابنا، وليتنا حققنا شيئاً في المقابل، على العكس، خسرنا المزيد وخسرنا الشباب. إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسأل عن اقتصادها أو قوتها العسكرية، بل انظر إلى شبابها واهتماماته. لا تلوموا من لمع نجمه في سماء الغربة، فما ذنبه إن كانت سماء وطنه سوداء لا يلمع فيها إلا الفساد والمحسوبية والتفرقة

مواجهة العنصرية

« عندما يفوزون فهم مواطنون أوروبيون، وعندما يخسرون فهم مجرد مهاجرين أبناء مهاجرين ». عبارة مستوحاة مما قاله اللاعب مسعود أوزيل قبل سنوات وباتت تنطبق على الحملات الغاضبة التي طاولت بعض عناصر فريق المنتخب الفرنسي بعد خسارته في نهائي كأس العالم 2022، حيث تضمن الفريق 16 لاعباً من أصول أفريقية حققوا نجومية واسعة على مدار السنوات الماضية، لكنهم يظلون في نظر بعض الناس مواطنين بشكل موقت حتى لو كانوا يلعبون تحت راية العلم الفرنسي. وعلى رغم الدعم الرسمي والمؤسسي والفرص الكبيرة، فإن التلقي الشعبي يبدو متحيزاً بل ومسيئاً في أحيان كثيرة، وهو أمر قد ينطبق على حالات أخرى بمنتخبات أوروبية عديدة، وقد عبر عنه مسعود أوزيل لاعب كرة القدم التركي الألماني الذي لعب لمنتخب ألمانيا تسع سنوات ثم اضطر إلى الاعتزال دولياً بسبب تفشي العنصرية ضده، إذ وصف الوضع بجملته الشهيرة « حينما أفوز فأنا ألماني، وعندما أخسر فأنا لاجئ ». لكن المؤكد أنه لا يمكن اختزال نجاح أبناء المهاجرين في أوروبا في هذا الملمح فقط، إذ حققوا أنفسهم وسط مناخ يمنح فرصاً أكبر للنجاح ويرحب بالتنوع ويبدو أكثر رحابة، والدليل أن بعض الرياضيين مثلاً حاولوا بالفعل الانضمام إلى منتخبات بلادهم الأصلية، لكن الأمور تعثرت بسبب اختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية، والأمر ينطبق أيضاً على مجالات أخرى لا سيما عالم الترفيه، فهناك عدد من شباب الممثلين في العالم اكتسبوا شهرة وتقديراً بعد أن خاضوا تجارب ربما لم تكن ستتاح لهم بالمستوى نفسه في بلادهم، وبينهم مينا مسعود ورامي مالك ومو عامر وغيرهم، ومع ذلك فالجدل حول الأب الشرعي لهذا النجاح لا يتوقف. مثلما تحدث أوزيل عن الازدواجية في التعامل معه، فإن الشعوب على الجانب الآخر تتعامل بازدواجية مماثلة، فحينما يحقق فنان ما من أصول عربية أو أفريقية نجاحاً عالمياً ساحقاً فعلى الفور تعلو الأصوات من قبل بلاده الأصلية المشجعة والمرحبة والفخورة بهذا الإنجاز وكأنها شاركت فيه، وعندما يدان أحد أبناء المهاجرين في قضية مشينة أو يطاول السوء سمعته فإن التنصل يكون هو سيد الموقف. « السوشيال ميديا » فجرت تلك الإشكالات على نطاق واسع، وكثير من التعليقات جاءت بعد فتح باب النقاش حول نجاح أبناء المهاجرين وإلى أي مدى يدين صاحبه به لبلده التي ينحدر منها، وأيضاً للبلد الذي تربى وعاش وتعلم على أرضه وعمل في مؤسساته.

النقاش هنا لا يتعلق بفكرة الاعتزاز بالأصول لا سيما أن أغلب الأسماء الشهيرة في الأجيال الجديدة الناجحة في عالم الترفيه والرياضة من أبناء المهاجرين تعتز بخلفياتها الثقافية وببلادها مهما كانت ظروفها، لكنه يتعلق بالفكرة الشائعة الشديدة الإجحاف التي مفادها بأن « للنجاج ألف أب بينما يبقى الفشل يتيماً »، إذ يتم إغفال الاجتهاد الفردي تماماً وكأن النموذج المتنازع عليه حقق قيمته بسبب جيناته فقط أو بسبب نشأته في بلد معين من دون أن يكون له يد في الاختيار أو المثابرة، وهي نقطة بدت واضحة للغاية مع تغريدة الرئيس الكيني ويليام روتو الذي سارع بعد فوز الأرجنتين بنسخة كأس العالم 2022 بنشر صورة عبر « تويتر » تضم عدداً من اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية في المنتخب الفرنسي، وفوق الصورة كتب يقول « فريقنا الأفريقي المشارك في كأس العالم لعب مباراة رائعة »، إذ ضمت بعثة منتخب « الديوك » 16 لاعباً من أصول أفريقية. التغريدة فجرت جدلاً حول الانتماء وجدوى إثارة النعرات العنصرية في ظل توقيت مشحون ومن قبل جمهور غاضب، وكان التساؤل الجاهز من نشطاء « تويتر » هو « هل البلد الذي أسهم في إدماج مختلف العرقيات على أرضه ومنحهم الجنسية والحقوق يستحق السخرية أم الإشادة؟ »، في إشارة إلى الدولة الفرنسية التي قدر عدد المهاجرين الذين يعيشون على أرضها بنحو 20 في المئة من عدد سكانها البالغ 67 مليون نسمة.

حاجز الفساد

في معرض الرد على مثل تلك الآراء تصاعدت التعليقات التي تنتقد صمويل إيتو اللاعب السابق ورئيس اتحاد الكرة في الكاميرون، الذي نسبت إليه تصريحات في وقت سابق مفادها بأنه لا يرحب من الأساس بوجود لاعبين مثل كيليان إمبابي في منتخب بلاده، معتبراً أنه من الأولى أن يعطي الفرصة لغيره من اللاعبين الذين تربوا وعاشوا في الكاميرون وليس في بلاد المهجر، وما تتردد أيضاً من أن والد إمبابي كان يرغب في أن يرتدي ابنه قميص الكاميرون لكن هذا لم يحدث بسبب تعقيدات كثيرة، وهي أزمة عاناها أكثر من لاعب آخر، حيث وجدوا صعوبة في التعامل مع كرة القدم في بلدانهم الأصلية، الأمر الذي رافقته اتهامات بالفساد لعدد من الكيانات الرياضية في دول أفريقيا، حيث تم تداول فيديو لوالدة بريل إيمبولو لاعب المتتخب السويسري ذي الأصول الكاميرونية تؤكد فيه أن ابنها البالغ من العمر 25 عاماً ويلعب لنادي « موناكو » الفرنسي حاول الانضمام إلى منتخب الكاميرون، ولكنهم طلبوا منه مبلغاً مالياً ضخماً بشكل غير مشروع في مقابل تحقيق الحلم، وكان اللاعب الشاب سجل هدفاً في منتخب بلاده أثناء مباراة جمعت سويسرا بالكاميرون في مونديال 2022 ولكنه رفض الاحتفال به تقديراً وولاء لشعبه. ​​​​لكن مع ذلك وبعد أي خطأ من لاعب منحدر من أصول مغايرة كانت صيحات عنصرية تعلو من قبل بعض رواد « السوشيال ميديا » تطالب بإعادته إلى بلده، لدرجة أن نجوم المنتخب الفرنسي أوريليان تشاويميني وراندال كولو مواني وكينغسلي كومان أغلقوا خاصية التعليقات عبر منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تعرضهم للتنمر والإساءة والعنصرية والاتهام بأنهم لا يمثلون الفريق القومي نظراً إلى عرقهم.

تجارب فردية

بعيداً من هذا الجدل فنماذج النجاح في الجيل الشاب من أبناء المهاجرين لا ينبغي اختزالها في أسباب جينية، وهو أمر تخبرنا به قصصهم مع المعاناة والنضال من أجل الهدف، فإمبابي مثلاً الذي يعتبر من أمهر لاعبي كرة القدم في جيله ويلعب لـ »باريس سان جيرمان » ولد لأب كاميروني وأم جزائرية. وبحسب تصريحات لوالدته فقد عانت العائلة كثيراً، لكن الأم التي تعمل حالياً وكيلة ومتفاوضة باسم ابنها البارز أصرت على أن تشجع صغيرها على تحقيق حلمه، كما فعلت الشيء نفسه مع شقيقه الأصغر، بل ومع ابن ثالث تبنته الأسرة، على رغم أنهم في مرحلة من المراحل كانوا يرضخون تحت وطأة الدين والإفلاس، وتدريجاً بدأ يلوح بريق الإنصاف والعدل عندما التفتت مؤسسات الكرة إلى موهبة الأبناء الذين يلعبون جميعاً كرة القدم لتنقلب حياة العائلة تماماً إلى الأفضل في وقت قياسي. وكان قد سبقه في المنتخب الفرنسي كريم بن زيمة ذو الأصول الجزائرية، وهو من الجيل الثالث لأسرة هاجرت إلى فرنسا في خمسينيات القرن الماضي، ويحاول بن زيمة دوماً تأكيد اعتزازه بأصوله العربية الإسلامية مع الانخراط أيضاً في المجتمع الفرنسي. لكن اختصار قصص البطولة في وجود صاحبها وسط بيئة تكفل حداً كبيراً من تكافؤ الفرص ينفي صفة التمييز والفردية، وهو أمر غير منطقي بدليل عشرات من نماذج الفشل في البيئة نفسها، كما أنه من غير المنصف كذلك حصر سبب التمييز في الأصول العرقية لصاحب مسيرة التألق. ولا يختلف الموقف مع الممثل الأميركي ذي الأصول المصرية رامي مالك، الذي فاز بـ »أوسكار » أفضل ممثل دور رئيس قبل ثلاثة أعوام، وعلى رغم أنه كان يأتي مع أصدقائه ووالديه حتى وقت غير بعيد ويمكث في منزله بمحافظة المنيا في محاولة منه للتمسك بجذوره، بحسب عدد من أفراد عائلته، فإنه لم يعمل من قبل في المنظومة الفنية المصرية، حيث نشأ وتعلم واكتشف حبه للتمثيل في الولايات المتحدة. مالك إذاً هو ابن المهجر من الألف إلى الياء، وبدوره أبدى فخره بهذه الصفة في خطابه بعد فوزه بجائزة التمثيل الرفيعة، فالشاب الذي هاجرت أسرته المنحدرة من صعيد مصر إلى الولايات المتحدة يعتز بأصوله، كما يبدي سعادته بالفرص التي حظي بها في أميركا وجعلته يصل إلى تلك المكانة، بينما لم يكن سيسمع عنه المصريون ولا هوليوود إذا لم يكن يمتلك الموهبة والقدرة على الثبات والاستمرارية، بدليل إخفاق كثير من المهاجرين وأبنائهم وأبناء أبنائهم ممن حاولوا اقتحام المجال الفني والرياضي أيضاً في دول أخرى.

الجذور والمسافات

الممثل رامي يوسف ربما يكون أكثر ارتباطاً بجذوره المصرية على رغم أنه من أبناء مهاجرين كذلك، إذ يحاول من خلال أعماله إدخال اللهجة المصرية والشخصيات العربية كعوامل أساسية، ومن خلال دور رامي في المسلسل الذي حمل الاسم نفسه وقدم على ثلاثة أجزاء وفاز عنه بـ »غولدن غلوب »، جرب أن يحكي جانباً من قصة حياته كشاب يعيش في حيرة بين أصوله العربية ودينه الإسلامي واندماجه في المجتمع الأميركي بعاداته التي ربما تصطدم مع ما تعلمه على يد والديه، وكذلك يطعم رامي أعماله دوماً بأغنيات مصرية وعربية، لكن في ما يتعلق بتجربته فإنها نتاج اختياراته هو، بخاصة أنه يكتب وينتج أيضاً إضافة إلى التمثيل. كذلك حال المصري الكندي مينا مسعود بطل فيلم « علاء الدين » الذي حقق نجاحاً هائلاً وشارك في بطولته معه ويل سميث، إذ هاجر مينا مع عائلته وهو طفل صغير من القاهرة، لكنه يقوم بين الحين والآخر بزيارة مصر، واشترك في بعض الأعمال الفنية المحلية بينما انطلقت شهرته من الخارج. أيضاً كشف مو عامر الكوميديان الأميركي ذو الأصل الفلسطيني عن بعض من قصته الحقيقية في مسلسل « مو » الذي بثته « نتفليكس » وحقق رواجاً كبيراً، وفيه استعرض الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بطريقة كوميدية لا تخلو من جرأة سياسية، حيث عرف مو منذ سنوات في الولايات المتحدة بين أفراد الجالية العربية، وسرعان ما اتسعت شعبيته من خلال عروض الـ »ستاند أب كوميدي » التي يقدمها، في حين تعتبر حكايته التي استعرضها في مسلسله « مو » من أكثر الحكايات مأسوية، فقد عاش لاجئاً سنوات طويلة من دون أية أوراق نظراً إلى ظروف غير معتادة مرت بها العائلة، وعانى الأمرين إلى أن حظي بجواز السفر الأميركي الذي بقدر ما منحه استقراراً فإنه لم يبخل عليه بالتصرفات العنصرية وبحرمانه من الفرص جراء أصوله. كذلك حققت بيلا وجيجي حديد عارضتا الأزياء العالميتان نجاحاً غير اعتيادي في مجال الموضة والترفيه، وهما ابنتا مهاجر من أصل فلسطيني ولد في الناصرة واحترف عالم المال والأعمال وحقق اسماً عالمياً بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، وتعتبر ابنته بيلا من أكثر المؤثرات في جيلها انتقاداً للسياسة الإسرائيلية تجاه المدنيين في الأراضي الفلسطينية. نماذج كثيرة من شباب أبناء المهاجرين حققت نجاحات عابرة للحدود، لكن السجال حول أسباب هذا التميز يصطدم بعوامل كثيرة، وعادة تكون مناسبات كبرى كمباريات كأس العالم فرصة لتجدد النقاش حول مفاهيم مثل الولاء والانتماء والأصول والازدواجية.

Laisser un commentaire

francais - anglais ..