×

الصراع في السودان وبُعْده الإقليمي والدولي

الصراع في السودان وبُعْده الإقليمي والدولي

Spread the love

الحرب بين البرهان وحميدتي

يحظى القتال الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باهتمام اقليمي ودولي منذ اندلاعه في الخامس عشر من أبريل/ نيسان الجاري، لا سيما وأنه يهدد أمن واستقرار منطقة هشة. ولم يتردد اللاعبون الأساسيون على الساحتين الإقليمية والدولية من التدخل في الصراع سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

الكيان الصهيوني

 إنّ الاضطرابات السودانية تُلقي بظلالها بقوة على التطبيع مع إسرائيل، حيث تشهد الخرطوم مواجهات عنيفة بين القوات المسلحة الرسمية وقوات الدعم السريع التي تقرر حلها، واعتبارها ميلشيا متمردة. وذكر دبلوماسيون إسرائيليون، أنّ الصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) سيؤخر إنهاء التطبيع بين إسرائيل والسودان، الجاري منذ عام 2020. وأكّد قادة سودانيون في الأشهر الأخيرة، أنّ التطبيع لن ينتهي إلا بعد تشكيل حكومة انتقالية مدنية. ومنذ عام 1958 وحتى قبل عامين، اعتبر السودان إسرائيل دولة معادية، حيث استضاف قادة القاعدة في عهد عمر البشير، الذي أطيح به عام 2019، ومكّن إيران من نقل الأسلحة إلى غزة عبر أراضيها، وعندما قطع السودان علاقاته مع إيران في عام 2016، بدأ ذوبان الجليد مع إسرائيل. وكثّف التقارب الإسرائيلي مع السودان قبل أشهر قليلة من توقيع اتفاقات إبراهيم، حيث التقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا في فبراير 2020. وقال نتنياهو في ذلك الوقت، إنه كان يعمل مع البرهان لإقامة العلاقات الدبلوماسية. في يناير 2021، وقع السودان إعلانًا يمهّد الطريق نحو التطبيع، وفي أبريل من ذلك العام، وافق على مشروع قانون يلغي المقاطعة المفروضة منذ عام 1958. وشارك كلٌّ من البرهان وحميدتي في جهود لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكان كبار ضباط الأمن والاستخبارات الإسرائيليين على اتصال مع كليهما

لكن في مناسبات عديدة، أعرب سياسيون سودانيون، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، عن اعتراضهم على إقامة علاقات مع إسرائيل على أساس التزامهم بالقضية الفلسطينية وكان المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية رونين ليفي، المعروف أيضًا باسم ماعوز، شخصية رئيسية في إقامة اتصالات مع نظرائه السودانيين بصفته السابقة كمسؤول في مجلس الأمن القومي. وكذلك فعل وزير الخارجية إيلي كوهين، الذي شغل منصب وزير المخابرات في حكومة نتنياهو السابقة. قاد كوهين أول وفد رسمي إلى الخرطوم في يناير 2021. ويقود ليفي وكوهين الآن الدبلوماسية الإسرائيلية. وفي فبراير، زار كوهين الخرطوم فيما وصفه مكتبه بزيارة تاريخية. وقال كوهين عقب لقائه مع البرهان، إنّ البلدين اتفقا على العمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، وأضاف: “يسعدني أن أعلن أنه خلال الزيارة، اتفقنا على توقيع اتفاق سلام بين السودان وإسرائيل بعد تشكيل حكومة مدنية”. و ذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم”، أنّ إسرائيل تشارك في جهود لتهدئة الصراع الحالي في السودان، على الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي. ولم يكن التقرير الإعلامي الأول الذي يشير إلى التدخل الإسرائيلي في السياسة السودانية. في نوفمبر 2021، زعم موقع أكسيوس أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن طلبت من إسرائيل الضغط على البرهان لإعادة الحكومة المدنية التي أطيح بها في انقلاب مؤخراً، وخلال السنوات الثلاثة الماضية، أشارت عدة تقارير إلى قيام مسؤولين إسرائيليين كبار بزيارة السودان سراً. الوضع الجيوسياسي للسودان وعلاقاته مع حلفاء إسرائيل “مصر وإثيوبيا” وعلاقاته السابقة مع إيران تجعله أولوية إستراتيجية للبلاد.

 

 كما تعتبر قيادة الخرطوم أنّ إسرائيل هي الباب الذي يفتح في واشنطن. وبينما يمكن أن تشمل العلاقات المستقبلية التعاون في الزراعة الذكية والاتصالات والتجارة، فمن الواضح أنّ مصلحة التقارب الرئيسية لكلا البلدين هي الأمن. ومع ذلك، وبحسب مصادر دبلوماسية إسرائيلية، فقد تمّ تجميد خطوات التطبيع النهائية، على الأقل حتى انتهاء الصراع الحالي، وقد يكون التطبيع الكامل بعيد المنال. وفي خطوة غير معتادة تعكس اهتمام إسرائيل بالتطورات في السودان، قالت وزارة الخارجية، في بيان لها: “نتابع بقلق الأحداث في السودان. إسرائيل تريد الاستقرار والأمن للسودان، وتطالب إسرائيل جميع الأطراف بالامتناع عن العنف وعدم العودة إلى طريق المصالحة الداخلية من أجل إنهاء عملية الانتقال الحكومي بإجماع كبير”.

 

لمصر مصلحة طويلة الأمد في استقرار السودان، بالنظر إلى الحدود المشتركة بين البلدين والأهمية الاستراتيجية لنهر النيل. شاركت مصر بنشاط في الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومخاطبة الطرفين لإحتواء الأزمة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. الدافع الأساسي لمصر هو منع اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، مما قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين ويؤثر سلبًا على الأمن المائي في مصر وإذا ما طال أمد الاشتباكات في السودان واتسع نطاقها فإن ذلك سيؤثر أيضا على الشراكة التجارية بين البلدين خاصة وأن جزءا مقدرا من صادرات السودان الزراعية والحيوانية تصل إلى الأسواق المصرية ومنها ما يعاد تصديره إلى دول أخرى في ظل العقوبات المفروضة على السودان

 إثيوبيا

لدى إثيوبيا مخاوف حيال توسع دائرة الصراع السوداني وامتداد أمده والتداعيات المترتبة عن ذلك على الاستقرار في المنطقة. و كدولة جارة للسودان ولاعب رئيسي في حوض نهر النيل، لها مصلحة في ضمان عدم تصعيد الصراع. بالإضافة إلى ذلك ، فإن التوترات المستمرة بين إثيوبيا والسودان بشأن منطقة الفشقة المتنازع عليها وسد النهضة الإثيوبي الكبير تجعل إثيوبيا أحد أصحاب المصلحة في استقرار السودان.

لعبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دورًا مهمًا في الشأن السوداني، لا سيما في دعمهما لقوات الدعم السريع. وقد قدم كلا البلدين مساعدات مالية وعسكرية لهذه لقوات، لاسيما وأنهما ركنا التحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن حيث شارك جنود سودانيون، كان معظمهم من الدعم السريع إلى جانب التحالف في القتال ضد حركة أنصار الله الحوثية، الأمر الذي عزز قدرات الدعم السريع مالياً وعسكرياً. يضاف إلى ذلك إهتمام الإمارات بالذهب الذي يملك قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ( حميدتي) استثمارات كبيرة فيه منذ أن منحه الرئيس المخلوع عمر البشير حقوق التنقيب عنه في جبل عامر حتى يتمكن من دفع مرتبات جنوده. ومن المحتمل أيضا أن دعم السعودية والإمارات للدعم السريع كان مدفوعًا بمسعى البلدين لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وفي الوقت ذاته الحفاظ على وجود عسكري قوي في القرن الأفريقي.

أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء الوضع في السودان ودعا وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي أجرى إتصالات هاتفية مع قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان ومع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ، ودعاهما خلالها إلى وقف فوري للأعمال العدائية بين الطرفين. وأفادت أنباء أن الولايات المتحدة تدرس حاليًا فكرة فرض عقوبات على أفراد من الجيش والدعم السريع رغم أن المراقبين للشأن الأمريكي يقولون إن هذه العقوبات ستكون عديمة الجدوى في حال فرضتها واشنطن وأن الوقت قد تأخر لاتخاذ مثل هذه الخطوة. ويقول هؤلاء المراقبون وحقوقيون سودانيون ودوليون إن الولايات المتحدة لا ترغب في فرض أي عقوبات في إفريقيا، ويضيفون أنها إذا كانت ترغب في فعل ذلك فإنها كانت ستفرض عقوبات على الجيش السوداني والدعم السريع إثر فض الاعتصام أمام قيادة الجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو حزيران 2019، ويشيرون في السياق ذاته إلى أن واشنطن لم تفرض عقوبات على القيادة الإثيوبية في الحرب ضد إقليم تيغراي والتي استمرت عامين وأسفرت عن مقتل أكثر من 600 ألف شخص، يضاف إلى ذلك إنشغال الولايات المتحدة بالحرب الدائرة في أوكرانيا.ومن المرجح أن يكون اهتمام الولايات المتحدة باستقرار السودان مدفوعًا بأهدافها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة ، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية وكبح جماح نفوذ الصين وروسيا في القارة السمراء

تدخل روسيا في الشان السوداني يعد أكثر محدودية، إذ يتركز من الناحية الشكلية بشكل أساسي على تقديم المساعدة العسكرية والتدريب للجيش السوداني. ويتوافق هذا الدعم مع استراتيجية روسيا الأوسع نطاقاً لزيادة نفوذها في إفريقيا وتأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية .يذكر أن قائد الدعم السريع كان قد زار موسكو في الأسبوع الأخير من فبراير / شباط2022 في زيارة استغرقت ثمانية أيام أثارت جدلًا واسعًا حيث جرى الحديث وقتها عن إمكانية منح موسكو قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان. لذا تعرض دور روسيا في السودان لانتقادات من قبل بعض الدول الغربية التي تجادل بأنه سيؤدي إلى تفاقم التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا سيما أن علاقة وثيقة ربطت بين مجموعة فاغنر الروسية والدعم السريع في مجال التسليح والتدريب وفي الحراسة وفي قطاع الذهب. ورغم أن المجموعة وقائد الدعم السريع سارعا إلى نفي أي دور لهما في القتال الدائر حاليًا إلا أن شبكة سي إن إن الأمريكية قالت نقلًا عن مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية إن مجموعة فاغنر تزود قوات الدعم السريع بالصواريخ للمساعدة في قتالها ضد الجيش . وقالت المصادر إن صواريخ أرض-جو عززت بشكل كبير قدرات الدعم السريع القتالية. وأضافت سي إن إن أن صور الأقمار الصناعية رصدت حركة غير عادية في قواعد فاغنر في ليبيا المجاورة للسودان تعزز هذه المزاعم ، حيث يسيطر الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي تدعمه فاغنر على مساحات من الأراضي الليبية . يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على فرع فاغنر في السودان بعد تحقيقات كشفت دور المجموعة في استغلال الذهب. ولعبت مجموعة فاغنر دورًا محوريًا في الحملات العسكرية الخارجية لموسكو ، تحديداً في أوكرانيا ، واتُهمت مرارًا وتكرارًا بارتكاب فظائع. وفي إفريقيا ساهمت فاغنر في تقوبة نفوذ موسكو المتزايد والاستيلاء على الموارد.

تبنت الصين نهجا أكثر حذراً تجاه الصراع في السودان حيث تسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مصالحها الاقتصادية والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فبيتما واصلت الصين الاستثمار في قطاع النفط في السودان وفي قطاع المباني والإنشاءات، دعت أيضًا إلى حل سلمي للصراع وعرضت التوسط بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ينبع اهتمام الصين باستقرار السودان في المقام الأول من رغبتها في تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية وتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة. من نافلة القول، اجتذب الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مشاركة كبيرة من اللاعبين الإقليميين والدوليين ، ولكل منهم دوافعه ومصالحه الخاصة. في الوقت الذي تركز بعض الجهات الفاعلة ، مثل مصر وإثيوبيا ، بشكل أساسي على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ، فإن آخرين ، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا ، لديهم أهداف أكثر استراتيجية في السودان. وتؤكد المشاركة المستمرة لهؤلاء اللاعبين في الصراع في السودان على الطبيعة المعقدة والمتعددة الأبعاد للأزمة وتسلط الضوء في الوقت ذاته على تحديات إيجاد حل فوري لها وتحقيق سلام دائم يحول دون انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية يتسع نطاقها ويطول أمدها ولا تبقي ولا تذر

Laisser un commentaire

francais - anglais ..