×

بعلبك الهرمل قصتها طويلة مع الحرمان والتهميش

بعلبك الهرمل قصتها طويلة مع الحرمان والتهميش

Spread the love

عند انتخاب كميل شعون رئيساً للجمهورية عام 1952، كانت علاقته مع قائد الجيش في حينه فؤاد شهاب تشهد توتراً وفتوراً. والسبب أن شمعون رفص تلبية طلب شهاب بإصدار عفو عن عشائر في الهرمل، حيث كان قائد الجيش يعتبر أن منطقة بعلبك-الهرمل تعاني من الحرمان، ومن غير الجائز ملاحقة أهلها وإصدار أحكام قاسية بحقهم بسبب مخالفات بسيطة. وبعد وساطات معيّنة، قبل الرئيس شمعون الأمر وأصدر العفو. في العام 1958، أصبحَ اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وأطلق ورشة لبناء المؤسسات ومحاولة تطوير البلاد. لكن منطقة بعلبك-الهرمل بقيت خارج الاهتمام الحقيقي. بل أكثر من ذلك، لجأ شهاب إلى تعيين ضابط يدعى بطرس عبد الساتر، كمستشار عشائري. هذا المستشار «الرسمي» كانت مهمته حلّ الخلافات بين العشائر، بواسطة الترغيب والترهيب. أي أنه تمّ – عن قصد أو غير قصد-التشجيع على الابتعاد عن الدولة، بدل العمل على فرض الأمن، وبسط القانون، الذي من شأنه أن يعبّد أولى الخطوات نحو التنمية. وفي 17 آذار من العام 1974، أطلق الإمام موسى الصدر في مهرجان بعلبك الشهير، صرخته أمام عشرات الآلاف، قائلاً: «امتنعوا عن إطلاق الرصاص، وفّروه لصدر العدو الصهيوني. وسأقول كلاماً أقسى من الرصاص. من اليوم فصاعداً لن أبقى صامتاً، وإن التزمتم الصمت فأنا لن أفعل. إننا نطالب بحقوقنا، ليس فقط بالوظائف، بل بالمدارس. منذ ألفي سنة كانت بعلبك وضواحيها تُروى عن طريق إنشاء سدود. أما اليوم، فمياهها تذهب هدراً. والحكومة لا تريد معرفة لماذا نحن يائسون». وفي اليوم التالي، كتب الراحل غسان تويني في جريدة «النهار»، معلقاً على مهرجان بعلبك:  أم تراه نظامنا الديموقراطي لا يفهم غير هذه اللغة: يتلهى بمحاكمة الأقلام ومعاقبة حملتها، الى أن يهب حملة المسدسات والبنادق والرشاشات والمدافع، نعم المدافع، رافعين أصوات المطالبة بحقوقهم، غير آبهين لقانون الدولة، ساخرين منها بنسبة ما سخرت هي منهم، يردون التحدي، تحدياً، ويقيمون قبالة العنف عنفاً وأقوى؟ نعم، تلك هي الثورة، ولو لم يطلق رصاصها، إلا صوب السماء، وتصفيقاً لكلام إمام جعل خدمة الإنسان وحقوقه وحرياته من خدمة الله والصلاة له
لكن العقود مرّت، ولم يتغير شيء. والآن، تكاد لا تظهر بعلبك – الهرمل في الإعلام إلا محملّة بالخطايا والذنوب، بينما تغيب قصة مواطنين تعرضوا للذل منذ الاستقلال إلى اليوم، على جوانب السفوح والسهول المنسية، أو هربوا إلى أحزمة البؤس حول بيروت، ليبحثوا عبثاً عن دولة تصونهم، أو عن أي حياة تبعد شبح الموت. في زمن لم يعد فيه الأمن الإنساني ينحصر بمقياس الجوع والغذاء، بل تعداهما إلى الحق المكتسب بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، أصبح لجوء البعض إلى زراعة الحشيشة، ذنباً في رقبة دولة سمحت بتراكم وتشعّب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، ولم توجد المانع والرادع، ولم تعمل بجد من أجل زراعات بديلة تؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم. أخذت الدولة اللبنانية قلعة بعلبك، وتركت كل محيطها. جعلت من الآثار مسرحاً لمهرجانات صيفية، تقام وسط سواد الليل، لتخفي الجريمة بحق تلك المنطقة، وتخبئ مشاهد الحرمان وصور الفقر وطرقات الموت المزمن. منحت هذه الدولة منطقة بعلبك – الهرمل، في العام 2003، لقب «محافظة»، لكن مع وقف التنفيذ. فبقيت أرضها أرض الحرمان المدقع، وأصبحت أقصى أمنيات الأهالي اليائسين، أباً عن جدّ، تصديق إخراجات القيد في بعلبك، من دون عناء الذهاب إلى زحلة  .المنطقة بحاجة ملحة الى التزامات وتعهدات صريحة وصادقة وواضحة ومبرمجة،. لم يعد من المقبول أن يتمّ غض النظر بهذا الشكل الصارخ عن منطقة تشكل 30 في المئة من مساحة لبنان ومن المفترض أن تكون الخزان الغذائي للبلاد، كما هي الخزان العسكري للدولة والوطن، وقد كانت لها اليد الطولى في مقاومة كل أشكال الاستعمار، وصولاً إلى تقديم آلاف الشهداء ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الإرهاب. وبالطبع، المطلوب من نواب بعلبك-الهرمل أن يكرسوا عملهم النيابي، بشكل يومي ومتواصل وصادق وفعلي، لإطلاق عجلة التنمية
وحبذا لو يبادر مراسلو وسائل الإعلام إلى زيارة قرى بعلبك-الهرمل، من أجلها وليس فقط من أجل حادث هنا وقضية هناك. فلعلّهم يجرّبون طرقاتها، ويفتشون عن المياه والكهرباء والمخافر والمدارس والمستشفيات، وعن فرص العمل، ويسألون عن أطفال يبحثون عن بعضٍ من العلم بين مخالب الحرمان، من شمسطار إلى بوداي واليمونة ودير الأحمر ومن بريتال إلى عرسال واللبوة والهرمل

Laisser un commentaire

francais - anglais ..