×

السعودية بين اليوان الصيني والدولار الاميركي

السعودية بين اليوان الصيني والدولار الاميركي

Spread the love

 هل من الممكن  أن تنتقل المملكة العربية السعودية إلى استخدام اليوان الصيني بدل الدولار الأميركي، في تعاملاتها مع بكين، على أساس عدد من المعطيات التي قد « تُفرض » على المملكة بحكم الحاجة إلى تقوية علاقاتها مع المشترين لنفطها. أبرز تلك المعطيات، طبيعة صادرات السعودية النفطية والتي تضع الصين، الأولى بين المستوردين من الممكلة. وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن أولى وجهات الصادرات الرئيسية للمملكة هي الصين بـ45.8 مليار دولار ثم الهند بـ25.1 مليار دولار، بعدها اليابان بـ24.5 مليار دولار، ثم كوريا الجنوبية بـ19.5 مليار دولار، لتأتي بعد ذلك، الولايات المتحدة بـ12.2 مليار دولار. وإذ تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم بقيمة 145 مليار دولار، تكون الصين أكبر مشترٍ بـ 204 مليار دولار، وفق أرقام قدمها موقع  تعود لسنة 2019

صحيفة « وول ستريت جورنال » قالت في مقال  إن السلطات السعودية  بصدد إجراء محادثات مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية لها باليوان « وهي خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار الأميركي على سوق البترول العالمية وتمثل تحولًا آخر لأكبر خام في العالم مصدر نحو آسيا » وفق الصحيفة. وتتم غالبية مبيعات النفط العالمية (حوالي 80٪) بالدولار. وتداول السعوديون النفط حصريًا بالدولار منذ عام 1974، إثر صفقة عقدتها السلطات مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد  نيكسون، تضمنت ضمانات أمنية للمملكة. وعرضت الصين عقود النفط المسعرة باليوان في عام 2018 كجزء من جهودها لجعل عملتها قابلة للتداول في جميع أنحاء العالم، لكنها لم تؤثر في هيمنة الدولار على سوق النفط. وبالنسبة للصين، أصبح استخدام الدولار عاملا معرقلا لاقتصادها، خصوصا بعد العقوبات الأميركية على إيران بسبب برنامجها النووي وعلى روسيا ردًا على غزوها لأوكرانيا. تقول « وول ستريت جورنال » في الصدد، إن بكين  صعدت من مغازلة المملكة السعودية في السنوات الأخيرة، لأجل إقناعها بالتعامل معها باليوان، إذ ساعدت الصين المملكة العربية السعودية في بناء صواريخها الباليستية الخاصة، وتم التشاور معها بشأن برنامج نووي، وبدأت الاستثمار في مشاريع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مثل مشروع « نيوم » المدينة المستقبلية.

ملف حقوق الانسان

في غضون ذلك، تراجعت العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، بسبب ملف حقوق الإنسان، على وجه التحديد، وفق الصحيفة ذاتها.  أن الصين، تحاول منذ فترة التخلص من هيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية الدولية، وذلك في إطار اتحاد « البريكس » الذي يضم دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.  أن هذه الدول قررت دعم مستويات التجارة الدولية بينها، من خلال استخدام عملاتها الوطنية. و دول العالم تتنافس على جلب العملات الأجنبية، وليس بالضرورة على استخدام عملاتها الوطنية كوسيلة للدفع « هناك دول تسعى إلى تقوية مكانتها الاقتصادية من خلال تقوية عملتها الوطنية » في الأسواق الدولية.، في إشارة إلى الصين.

الحاجة لاستخدام اليوان؟ 

يجيب التقرير  على هذا التساؤل بالنفي، مستدلا باحتياطات السعودية من العملات الأجنبية، التي بلغت 472.8 مليار دولار في عام 2020 على الرغم من تراجع الصادرات والطلب على النفط بسبب وباء كورونا. تلك الاحتياطات، يمكن أن تغطي  ديون الرياض الخارجية بشكل مريح، مما يمنحها مستوى من الاستقرار يجعلها لا تفكر في استبدال الدولار، مقارنة بدول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأخرى التي تعاني من عجز تجاري ومالي كبير. اضافة الى عدم استطاعة اليوان تحقيق أي مكانة في سوق التعاملات.  فبالرغم من أن بكين استطاعت إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول لاستيراد النفط والغاز باليوان بدلا من الدولار « إلا أنه حتى الآن لم يحقق اليوان الصيني أي تأثير حقيقي في مجال عملة الاحتياط، حيث يصل وزنه حاليا، بحسب صندوق النقد الدولي، إلى 2.5 في المائة فقط من حجم عملات الاحتياط، التي يشكل الدولار فيها 55 في المائة، يليه في ذلك اليورو 19 في المائة. لكنها تعود في المقابل وتقول إن « من الصعب التنبؤ بالتأثيرات المتعلقة بالتقلبات الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية التي تحدث بين الحين والآخر، ولكن يبدو أن التطورات الأخيرة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية من جهة، وتقلبات الاقتصاد الأمريكي من جهة أخرى، قد تحدث تغيرات غير مسبوقة على صعيد عملات الاحتياط في العالم

المصلحة السعودية  

تحتاج الصين إلى وارداتها النفطية أكثر مما تحتاج المملكة العربية السعودية إلى عملة الصين المحلية، لذلك لا يوجد دليل حقيقي على أن الصادرات إلى الصين ستنخفض إذا استمرت المملكة العربية السعودية في استخدام الدولار الأميركي، وفق ذات التقرير. وعلى أساس أن استخدام اليوان في المعاملات العالمية محدود للغاية، وبالنظر إلى الأرقام التي جمعتها جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، تشير وكالة بلومبيرغ إلى أن « نشاط اليوان، ارتفع إلى ثاني أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2021 ».  الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 10 ملايين برميل، وتأتي ثانيا بعد الولايات المتحدة من حيث الاستهلاك بمتوسط يومي 13 مليون برميل يوميا ومع ذلك، فإن نسبة استخدام اليوان في التعاملات التجارية العالمية لا تزال لم تتخط نسبة 2.7 في المائة وهي نسبة متواضعة مقارنة بـ 41 في المائة التي يتمتع بها الدولار الأميركي، الذي احتل المرتبة الأولى لعقود. و 36.6 بالمئة التي يتمتع بها اليورو. التقرير لفت إلى أن الجنيه الإسترليني وحده بلغ  5.9 في المائة من استخدامات السوق وهو ما يضاهي أكثر من ضعف استخدام اليوان على الرغم من كون المملكة المتحدة اقتصادًا أصغر بكثير، بينما الين الياباني يستخدم بقدر اليوان عند 2.6 في المائة . وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في أهمية الاقتصاد الصيني على مستوى العالم، إلا أن أهمية اليوان كعملة لم تتحسن إلا قليلاً عن أعلى مستوياتها في عام 2015، عندما وصل إلى المركز الرابع. لماذا يتم استخدام اليوان فقط في 2.7٪ من المعاملات العالمية على الرغم من كونه 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؟ اليوان هو العملة الوحيدة التي تصدرها شركة اقتصادية عالمية لديها ضوابط على رأس المال وأسعار ثابتة.  وعلى هذا النحو، يواجه أي حامل للعملة الصينية تهديدًا مستمرًا بتخفيض مفاجئ لقيمة العملة وعدم القدرة على استخدامها بحرية في المدفوعات. وهذا بالضبط ما حدث في عام 2015، حين أعلن البنك المركزي الصيني عن تخفيض حاد لقيمة العملة.و بالرغم من طموح بكين لتسعير سلع عديدة باليوان الصيني، وعلى رأسها النفط، لرفع قوة اليوان كعملة احتياط، إلا أن الصين في الوقت نفسه « لا ترغب في تحقيق ذلك بسرعة خوفا من ارتفاع سعر صرف اليوان بشكل يؤثر سلبا في صادراتها » وهو ما يمكنه أن يعطل مشروع تعميم استخدامه (اليوان).

راس المال الصيني

إلى ذلك لا يمكن أن يكون اليوان بديلاً عن الدولار الأميركي بسبب ضوابط رأس المال، والتسعير الثابت، بل والأسوأ من ذلك، لأن السياسة النقدية لبنك الشعب الصيني أكثر عدوانية من سياسة الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما تسبب في انخفاض كبير في الطلب العالمي على اليوان. دولة واحدة قادرة على « إنقاذها ».. كيف ستتعامل روسيا مع نفطها « غير المرغوب فيه »؟ انخفضت صادرات النفط الروسية، بسبب العقوبات الغربية التي فرضت عليها جراء الحرب على أوكرانيا، في حين وجدت بعض الأطراف فرصة لشراء هذا النفط بعد عزوف العملاء الأصليين الذين أصبحوا أكثر حذرا، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه حتى شركات النفط الصينية الكبيرة تفضل الدولار الأميركي في المعاملات الدولية.  وبالنظر إلى مؤشر شنغهاي للسلع، يمكن رؤية أن استخدام اليوان في معاملات النفط العالمية محدود للغاية. وتبلغ احتياطيات الصين الضخمة من الذهب على ما يبدو أقل من 0.3 في المائة من المعروض النقدي  واحتياطياتها الكبيرة من الدولار الأميركي بلا شك،  بـ3.35 تريليون دولار، وهي بالكاد تغطي التزاماتها بالعملات الأجنبية. وإذ قبل منتجو النفط والسلع في بلدان أخرى، لا سيما أميركا اللاتينية، عملة الصين في الماضي، فقد كان ذلك بسبب التزامات الديون الكبيرة التي حصلوا عليها مع العملاق الآسيوي، وليس لأسباب عملية تتعلق باستخدام العملة الاحتياطية. لذلك، ينصح التقرير أي منتج للسلع الأساسية ينوي استخدام اليوان بدلاً من الدولار الأميركي أن يعرف أن ضوابط رأس المال وتحديد الأسعار تشكل تهديدات مهمة للغاية، ولا يوجد مؤشر حقيقي على أن بنك الشعب الصيني سيغير أيًا من هذه التهديدات. بناء على هذه المعطيات، يصل التقرير إلى نتيجة أنه قد تستخدم المملكة العربية السعودية بعض اليوان في صادراتها النفطية، لكن الحقيقة هي أنه لا توجد أي عملة ورقية مع ضوابط رأس المال هي بديل حقيقي للعملات الورقية الأخرى، ولا سيما أهمها، أي الدولار الأميركي. التقرير ختم بالقول « يمكن أن تلجأ المملكة العربية السعودية إلى الذهب أو العملات المشفرة، لكن الأخيرة لن تحل محل العملة الورقية المطبوعة، الآمنة، وهي الدولار الأميركي. أن تقوية اليوان على حساب الدولار ليست بالضرورة من مصلحة الدول المرتبطة عملتها المحلية بالدولار، كالدول الخليجية ودول أخرى كثيرة، والسبب أن قوة اليوان تعني ضعف الدولار، وبالتالي ضعف تلك العملات المرتبطة بالدولار.  « موازين العملات الدولية واختلاف قوتها فيما بينها ليست بالمعادلة الهينة، بل إن الصين نفسها ستتضرر من ضعف الدولار أمام اليوان لأن صادراتها ستكون عالية الثمن على دول كثيرة مرتبطة بالدولار، بينما لديها استثمارات مهولة في الأوراق المالية الأميركية من أسهم وسندات، وبالتالي فإن ضعف الدولار يعني ضعف عائدات استثماراتها كذلك

Laisser un commentaire

francais - anglais ..