×

الأزمة الاقتصادية اللبنانية تفاقم ظاهرة التسول

الأزمة الاقتصادية اللبنانية تفاقم ظاهرة التسول

Spread the love

رشاد العلي –  بيروت – التسوّل ظاهــرة اجتماعيــة قديمة وخطيـرة، وقد استفحلت في لبنان خلال الآونة الأخيرة في ظل التردّي المستمر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتزايد أعداد النازحين ، واندفاع قسم كبير منهم للتسوّل. وقد يكون المتسوّل (رجلًا أو امرأة أو طفلًا) إبن عائلة كريمة اضطرَّته الظروف القاسية للتسوّل، كما قد يكون التسوّل مهنة مربحة ومصدر رزق البعض لأنه الطريق الأسهل لجمع المال، وأحيانًا يتم بشكل مقنّع تحت ستار ممارسة أعمال بسيطة كمسح زجاج السيارات أو بيع سلع بخسة الثمن.ليس من الصعب أن تجد متسولين يقفون عند تقاطع الطرقات وإشارات السير وفي الساحات العامة وأمام أماكن العبادة والمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية في بيروت وباقي المدن اللبنانية، بل إن منظمات المجتمع المدني تؤكد أن أعدادهم تضاعفت بصورة ملفتة خلال الأشهر الأخيرة مع انهيار الوضع الاقتصادي، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

انعكست الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وانهيار العملة الوطنية على مفاصل الحياة في لبنان، كما انعكست بشكل خطير على الفقراء والمهمشين والمشردين والمتسولين في الشوارع الذين يمدون يدهم طالبين كسرات الخبز وبقايا الطعام وفتات المال من المحسنين. فالجوع والعوز طرقا أبواب فئات واسعة من اللبنانيين، وحلا داخل بيوتهم، حتى أصحاب المدخرات الذين احتجزت أموالهم في المصارف، فلم يعودوا بحالة ميسورة، ليقدموا بقايا طعامهم وملابسهم، وهم يعيشون داخل منازلهم  بحالة من التوتر والقلق على مستقبل أموالهم وحياتهم. ومن تبقى من الميسورين أصحاب رؤوس الأموال ومن رجال دين وسياسيين، ليس من السهل الوصول إليهم لطلب المساعدة والتسول أمام مكاتبهم أو منازلهم أو سيارتهم. أصبح المتسولون ينتظرون المحسنين طويلا، يتوزعون في الشوارع وأمام المحلات التجارية وأماكن العبادة.

لا مراكز مجهّزة لإيوائهم

أمام هذه الظاهرة، ثمّة مشكلة تكمن في افتقار البلديات لمسح محدّد لأعداد المتسوّلين ، وهي مهمّة ترتبط بوزارة الشؤون الاجتماعيّة والجمعيّات الأهليّة،. المشكلة الأخرى أيضاً تكمن في عدم إمكانيّة حجز المتسوّلين في حال إخلائهم من الشوارع، فلا مراكز مجهّزة لإيوائهم، وثمة أطفال بينهم في حاجة إلى رعاية خاصّة.ويجب ان تكون هناك خطّة لملاحقة المسؤولين عنهم للحدّ من الظاهرة، والتشدّد مع مشغّليهم وضبط مخالفاتهم، إلّا أنّ التسوّل حالة خاصّة بحاجة للمتابعة، وهذا الموضوع ليس أمنياً، بل يحتاج إلى علاج اجتماعيّ اقتصاديّ شامل يجب وضع خطّة اجتماعيّة وتقديم الدعم والمساعدة وفرص العمل لهم، وحتى للمتسوّلين الأجانب، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية »، من أجل تأهيلهم وتعليمهم، فلا ينبغي لهم أن يكونوا في الشارع وخاصّة الأطفال المتسرّبين من المدارس، بل يجب التواجد في أماكن خاصّة لحمايتهم » يجب ان تنصبّ الجهود الأمنية على الوصول إلى المصدر المشغّل لهذه المجموعات، وخاصّة مِمّن يستغلّ عمالة الأطفال لقبض ما يجنوه طوال اليوم، وصولاً إلى توقيفه وضبط انتشاره في العاصمة وضواحيها

 الطريق إلى الانحراف
يؤدّي التسوّل إلى انحراف أكثر من 70% من أطفال الشارع وقيامهم بأعمالٍ إجرامية. وقد بيّنت الإحصائيات  أن اكثر من 1500 طفل يعيشون في الشوارع اللبنانية، علمًا أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر من ذلك بكثير . أسباب التسوّل متعدّدة، منها: الفقر والعوز والبطالة والفراغ القاتل والظروف الإقتصادية الصعبة وعدم التعلّم أو التمرد أو سوء المعاملة في المنزل أو في المدرسة، وضعف الملاحقة القانونية. ويضاف إلى ذلك الحروب الأهلية والنزاعات وعدم ممارسة المؤسسات المختصة (الحكومية وغير الحكومية) لدورها، وانتشار مافيات الشوارع التي تستغلّ المتسوّلين. قد تدفع ممارسة التسوّل إلى تفشّي الجريمة كونها بداية الطريق للسرقة والانحراف والفساد الأخلاقي والاعتداءات الجنسية وتعاطي المخدرات، كما أنها تؤثّر على نمو الأطفال البدني والذهني والنفسي وتحرمهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما تحرمهم أبسط حقوقهم… وقد تُعرّض المرأة للانحراف السلــوكـي وتعوّد الرجل على البطالة والكسل مما يؤثّر سلبًا على إنتاجية المجتمع الاقتصادية. فالتسوّل يسيىء إلى المجتمع ككل ويكشف عن تقاعس الدولة ومؤسساتها المختصّة وهيئات المجتمع المدني عن القيام بدورها.

جريمة
اعتبر المشترع اللبناني أن التسوّل جريمة وعقوبتها منصوص عنها في المادة 610 وما يليها من قانون العقوبات. فمن كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر. ويمكن، فضلًا عن ذلك، أن يوضع في دار للتشغيل (م79 عقوبات)، ويعتمد هذا التدبير وجوبًا في حالة التكرار.
ومن أصبح بسبب كسله أو إدمانه السكر أو المقامرة مجبرًا على استجداء المعونة العامة أو الإحسان من الناس عوقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر. وللقاضي، فضلًا عن ذلك، أن يحكم بوضع المحكوم عليه بإحدى دور التشغيل ومنعه من ارتياد الحانات التي تباع فيها المشروبات (م79 و80 و611 عقوبات). ومن غادر مؤسسة خيرية تعنى به وتعاطى التسوّل، عوقب، ولو كان عاجزًا، بالحبس للمدة المذكورة أعلاه (م612 عقوبات). وتشدّد العقوبة إذا كان المتسوّل يستجدي في أحد الظروف الآتية:
1- بالتهديد أو أعمال الشدّة.
2- بحمل شهادة فقر كاذبة.
3- بالتظاهر بجراح أو عاهات.
4- بالتنكّر على أي شكل كان.
5- باستصحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون السابعة من العمر.
6- بحمل أسلحة أو أدوات خاصة باقتراف الجنايات أو الجنح.
7- بحالة الاجتماع ما لم يكن بين الزوج وزوجته أو العاجز ومساعده. حيث تصبح العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين مع التشغيل فضلًا عن وضع المتسوّل في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، ويعاقب بالحبس البسيط للمدة نفسها إذا كان عاجزًا. ويمكن كذلك أن يفرض عليه تدبير الحرية المراقبة (م613 عقوبات).

الأهل
تشمل العقوبات أيضًا أهل القاصر فيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من 20 ألفًا إلى مئة ألف ليرة، والدا القاصر الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته إذا لم يوفّروا له حاجاته الأساسية على الرغم من اقتدارهم وتركوه متشرّدًا (م617 عقوبات). كذلك يعاقب القانون من دفع القاصر للتسوّل بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة تراوح بين الحد الأدنى للأجور وضعفه (م618 عقوبات). أما الأجانب فيحكم عليهم بالمواد المذكورة ويمكن أن يقضي الحكم بطردهم من لبنان (م 621 عقوبات).
كذلك ينظر القانون اللبناني إلى التسوّل على أنّه من جرائم الإتجار بالأشخاص وهو يضعه في إطار استغلال حالة ضعف لدى هؤلاء، ويشدد العقوبات الخاصة به. وتراوح هذه العقوبة بين الحبس لمدة حدها الأدنى خمس سنوات وقد تصل إلى 15 سنة في حدها الأقصى. أما الغرامة فتراوح بين 100 و600 ضعف الحد الأدنى للأجور، وذلك وفق ظروف ارتكاب الجريمة وما ينتج عنها من أذى، ووفق صفة الشخص المرتكب ودرجة قرابته من المتضرر.

العقاب 
يعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المذكورة وزوّدها معلومات أتاحت إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخّلين فيها أو محرّضين عليها، وذلك في حال لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولًا بصفته مرتكب الجريمة (المادة 586 مكرر 5 عقوبات). ويستفيد من العذر المخفّف من زوّد السلطات المختصة، بعد اقتراف الجرائم المذكورة بمعلومات أتاحت منع تماديها (المادة 586 مكرر 6 عقوبات) كما يعفى من العقاب المجنى عليه الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل. ويجوز لقاضي التحقيق أو القاضي الناظر في ملف الدعوى، بموجب قرار يصدره، أن يجيز للمجنى عليه الإقامة في لبنان خلال المدة التي تقتضيها إجراءات التحقيق (المادة 586 مكرر 7 عقوبات). إلى ذلك تصادر المبالـغ المتأتية عن الجرائم المذكورة، وتودع في حسـاب خاص في وزارة الشؤون الاجتمــاعيـــة لمساعدة ضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، الأنظمة العائدة للحساب (المادة 586 مكرر 9 عقوبات). ولوزير العدل أن يعقد اتفاقات مع مؤسسات أو جمعيات متخصِّصة لتقديم المساعدة والحماية لضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد الشروط الواجب توافرها في هذه المؤسسات والجمعيات وأصول تقديم المساعدة والحماية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل (المادة 586 مكرر 8 عقوبات).

Laisser un commentaire

francais - anglais ..