مثقفون فرنسيون ينددون بمنع العباءة في المدارس
باريس ـ الفجر ـ أعلن مجلس الدولة في فرنسا في بيان تأييده قرار الحكومة منع العباءة في المدارس الفرنسية. وقال مجلس الدولة، وهو أعلى محكمة في فرنسا تنظر في الشكاوى ضد السلطات الحكومية، إنه رفض طلبا قدمته إحدى الجمعيات لإصدار أمر قضائي ضد الحظر الذي فرضته الحكومة مؤكدا أنه لا يشكل تمييزا ضد المسلمين. وكانت الحكومة الفرنسية استندت في قرارها إلى مبدأ علمانية الدولة لمنع ارتداء العباءة في المدارس بسبب طابعها الديني الذي يثير جدلا. ويحظر في فرنسا وضع رموز دينية في المدارس بموجب قانون صدر في العام2004 . وكانت قدمت جمعية « العمل من أجل حقوق المسلمين طلبا عاجلا إلى مجلس الدولة، لإصدار أمر قضائي ضد الحظر المفروض على العباءة والقميص الطويل للرجال. لكن مجلس الدولة اعتبر أن قرار الحكومة « لا يمس بشكل خطر وغير قانوني بشكل واضح بالحق في احترام الحياة الخاصة، وحرية العبادة، والحق في التعلم، واحترام المصالح الفضلى للطفل، أو لمبدأ عدم التمييز ». واعتبر المجلس في قراره أن ارتداء العباءة في المدرسة الرسمية، أو أي لباس مماثل (العباءة الرجالية بالنسبة للذكور) يندردج في إطار « منطق تأكيد انتماء ديني، كما يظهر خصوصا من التعليقات التي صدرت خلال الحوارات مع التلامذة ». وأضاف أن « القانون يمنع على التلامذة، داخل نطاق المدارس العمومية، ارتداء علامات أو ملابس تظهر بشكل واضح (…) انتماء إلى دين ما ». في المقابل، حذر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من أن حظر العباءة يمكن أن يتسبب « بتزايد خطر حصول تمييز » مشيرا إلى أنه ينظر في رفع شكوى أمام مجلس الدولة. واعتبر المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية أن غياب « تعريف واضح لهذا اللباس يحدث وضعا مبهما ». بدوره، وقال محامي جمعية « العمل من أجل حقوق المسلمين » فينسان برينغارت إن العباءة يجب أن تعتبر لباسا تقليديا وليس ثوبا دينيا. واتهم الحكومة الفرنسية بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية من خلال الحظر. وإن قرار حظر العباءة هو قرار ينم عن « تمييز جنسي » لأنه يخص الفتيات حصرا و »يستهدف العرب ». لكن وزارة التعليم في فرنسا قالت إن « العباءة تدل على الفور على أن من يلبسها ينتمي إلى الدين الإسلامي ». وأعادت مدارس فرنسية عشرات الفتيات إلى منازلهن بسبب رفضهن الالتزام منع العباءة في أول يوم من العام الدراسي. ويشكل المسلمون نحو 10% من سكان فرنسا البالغ عددهم 67 مليون، وفق تقديرات رسمية
مثقفون ينددون
وقّع مثقفون فرنسيون بارزون -بينهم الأديبة الحائزة على جائزة نوبل للآداب في العام الماضي آني إرنو-، عريضة أطلقها أكثر من 350 شخصية ومنظمة، من أجل المطالبة بالحد من انتشار موجة « الإسلاموفوبيا » في فرنسا، خاصة بعد إعلان السلطات الفرنسية منع العباءة في المدارس تزامنا مع الدخول المدرسي الأخير. وأدانت العريضة ما أسمته سياسات « عنصرية ومعادية للإسلام، ومتحيزة جنسيا، ووصاية أبوية تحت ستار العلمانية »، وشملت قائمة الموقّعين شخصيات سياسية وناشطين مناهضين للعنصرية، وناشطين بالحركة النسوية، طالبوا بعدم زيادة الوصم والمضايقات والإهانات، التي يتعرض لها هؤلاء الطالبات من المؤسسة التعليمية. ومن الموقّعين على العريضة، الفيلسوف الفرنسي والأكاديمي الشهير إيتيان بيلبار، ومغني الراب الشهير ذي الأصول الجزائرية ميدين، والممثلة والمسرحية الفرنسية أديل هاينال، وعدد من الشخصيات، والمنظمات النقابية والسياسية. وعدّت العريضة أن تطبيق « حظر العباءة » لم يؤدّ تنفيذه إلا لتأكيد هذا التنميط العنصري والجنسي للطلاب، كما يتضح من الشهادات العديدة للطلاب الذين مُنعوا من دخول مؤسستهم؛ لأنهم كانوا يرتدون فستانا طويلا، أو شيئا أسود غامقا، وانتقد البيان طلب الحكومة من العاملين في مجال التعليم والمعلمين أن يحددوا، وفقا لملامح الوجه الانتماء الحقيقي، أو المفترض للإسلام للطلاب، وما إذا كانت ملابسهم عباءات أو لا. وجاء في البيان أن هذا الحظر هو استمرار للهجمات العنصرية والمعادية للإسلام، التي تُنفّذ تحت غطاء العلمانية، منذ قانون 2004 الذي يمنع ارتداء الحجاب في المدارس، ومنع للأمهات المحجبات من مرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية، وتقارير عن معدل التغيب عن العمل في يوم عطلة العيد، ومنشورات تدعو الموظفين إلى « الكشف والإبلاغ عن علامات التطرف ». ويرى أصحاب العريضة أن المضايقات اليومية التي تتعرض لها الفتيات المسلمات، أو التي يُنظر إليها على هذا النحو ستكون لها نتيجة مباشرة، تتمثل في تدهور تعليمهن واستبعادهن من المدرسة، وحرمانهن من حقهن في التعليم العام؛ بسبب عقيدتهن الحقيقية، أو المفترضة. ورأت العريضة أن هذا الحظر على ارتداء العباءة يعدّ جزءا من « استمرارية القمع الوحشي لاحتجاجات هؤلاء الشباب، الذين عبّروا عن غضبهم ردا على مقتل الشاب نائل على يد الشرطة في 27 يونيو/حزيران 2023. وهو القمع الذي تجسّد من خلال أحكام السجن الثقيلة للغاية ضد هؤلاء الشباب، التي تستمر حتى اليوم مع طرد الشباب الذين شاركوا في الاحتجاجات من مساكنهم »، وأضافت العريضة « أنه هجوم عام ضد شباب أحياء الطبقة العاملة أطلقته الحكومة ». وعدّ ناشطون فرنسيون أن العريضة خطوة مهمة وجب الإشادة بها ودعمها، في سبيل خلق موجة معارضة لكل ما يحدث تجاه المسلمين والمسلمات في فرنسا. وقالت الأكاديمية والناشطة مود فاتي، عبر حسابها على منصة « إكس » (تويتر سابقا)، إنها فخورة كثيرا بدعمها لرفقائها، وتوقيع العريضة الأخيرة. من جهته، فقد أبدى رئيس حركة ثورة دائمة اليسارية أنس كازيب، سعادته بالوصول إلى هذا الرقم الكبير من الشخصيات السياسية والأكاديمية والثقافية، إلا أنه استنكر كثيرا ضعف التغطية الإعلامية للعريضة فقط؛ لأنها تحمل توجّها يعاكس التوجه الرسمي -حسب قوله-. ولم يَسْلم البيان من هجمات أنصار اليمين المتطرف، حيث وصف بعضهم الشخصيات الموقّعة فيه بـ »الخاضعين للإسلاميين »، الذين يريدون أن « يفسحوا المجال للإسلام المتطرف »، وفق تعبيرهم
« دفاعا عن المبادئ العلمانية »
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، منعت فرنسا طلاب المدارس العامة من ارتداء أي رمز ديني يعتبره المسؤولون « موضع تفاخر »، حسبما ذكرت صحيفة « وول ستريت جورنال » الأميركية في تقرير لها. ويشمل ذلك ارتداء الصليب المسيحي، أو الكيباه التي يرتديها اليهود على الرأس، وحجاب الرأس الذي تستخدمه النساء المسلمات لتغطية شعرهن، إلا أن العباءة شكلت « منطقة رمادية » حتى وقت قريب، في المدارس الفرنسية، كونها لا تغطي الوجه أو الرأس. وترتدي طالبات مسلمات في فرنسا العباءة – دون حجاب في المدارس – لتوفير طبقة إضافية من الملابس، لتغطية أذرعهن وأرجلهن امتثالا لتعاليم الإسلام. لكن فرنسا، وبحسب صحيفة « وول ستريت جورنال »، تعمل على « توسيع نطاق تعريف أنواع الملابس غير المقبولة، بموجب قواعد العلمانية »، أي الفصل الصارم بين الدين والدولة في البلاد. أيدت أعلى محكمة إدارية في فرنسا، الخميس، قرار الحكومة حظر ارتداء العباءة في المدارس الرسمية. وفي أغسطس الماضي، أعلن وزير التربية الوطنية الفرنسي، غابرييل أتال، حظر ارتداء العباءة في المدارس والمعاهد الحكومية، وهو ما صادق عليه مجلس الدولة، أعلى سلطة إدارية في البلاد. وجاء تأييد مجلس الدولة الفرنسي لقرار الحكومة بمنع ارتداء العباءة في المدارس العامة الرسمية، « دفاعا عن المبادئ العلمانية »، مما أثار جدلا واسعا في بلد يعيش فيه أكثر من 6 ملايين مسلم. وتقول حكومة الرئيس، إيمانيول ماكرون، إنها تستجيب لما تعتبره « زيادة مثيرة للقلق في عدد المراهقين الذين يرتدون ملابس دينية بالمدارس الإعدادية والثانوية، بعد مشاهدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تشجعهم على تحدي قواعد العلمانية ». وقال ماكرون الأسبوع الماضي: « نحن لا نمنعهم من الإيمان بدين ما، لكن لا مكان لهذه الرموز في المدرسة ». وفي الأسبوع الماضي أيضا، انتقدت لجنة أميركية قرار حظر ارتداء العباءة في المدارس الفرنسية، معتبرة أن هذا الإجراء يهدف إلى « ترهيب » المسلمين في البلاد. وفي بيان، قال أبراهام كوبر، الذي يرأس اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية، وهي هيئة استشارية حكومية مفوضة من الكونغرس الأميركي، إنه « ضمن جهد في غير محله لتعزيز القيمة الفرنسية المتمثلة بالعلمانية، تتعدى الحكومة على الحرية الدينية ». وأضاف: « فرنسا تواصل استخدام تفسير محدد للعلمانية من أجل استهداف المجموعات الدينية وترهيبها، خصوصا المسلمين ».
« حرب ثقافية »
من جانبها، قالت صحيفة « وول ستريت جورنال »، إن قرار وزير التربية الوطنية الفرنسي « أدى لتصعيد الحرب الثقافية طويلة الأمد في فرنسا، حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه الحكومة في تطبيق قواعد العلمانية ». ونشأت العلمانية من المعركة التي استمرت لقرون مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، حول التأثير الذي كانت تمارسه ذات يوم في الحياة العامة، وخاصة نظام المدارس العامة. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، اصطدمت العلمانية الفرنسية بالممارسات الدينية لأجيال من المسلمين، الذين ولد العديد منهم في فرنسا أو بمستعمراتها السابقة في شمال أفريقيا. في المقابل، قال زعماء مسلمون إن تعريف العباءة في حد ذاته غامض، مما يفتح الباب أمام « التمييز ضد الطلاب المسلمين ». وقال المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، إن « العباءة ليست رمزا دينيا »، مشيرا إلى أنه « من الصعب تمييز الثوب عن الفستان الطويل
Laisser un commentaire