الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف أمينا للأكاديمية الفرنسية
باريس ـ الفجر ـ انتخب الكاتب الفرنسي أمين معلوف في منصب الأمين العام الدائم للأكاديمية الفرنسية العريقة، خلفاً لإيلين كارير دانكوس التي توفيت في آب/أغسطس، في نتيجة متوقعة إثر منافسة مع صديقه الكاتب جان كريستوف روفان. وفاز معلوف بهذا المركز بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8 لروفان، . وأمين معلوف (74 عاما) كاتب فرنسي من أصل لبناني، حائز على جائزة غونكور عام 1993 عن روايته (« صخرة طانيوس »)، وكان مرشحا معلنا منذ فترة. وهو أحد وجوه الروايات التاريخية المُستلهمة من الشرق، وركز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات. وعلى الرغم من أن الأمينة الدائمة السابقة المتخصصة في الشؤون الروسية لم تسمّ أحدا لخلافتها، كان يُنظر إلى معلوف على أنه المرشح الأوفر حظاً لقيادة الأكاديمية، إذ تحظى شخصيته بالإجماع، نظرا إلى انخراطه القوي في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2011. وتوجه جان كريستوف روفان نفسه إلى أمين معلوف لدى استقباله في الأكاديمية سنة 2012 « أنت بالفعل رجل ذو لباقة خالصة وتظهر لديه في كل مناسبة علامات التقدير الكبير لجميع من يخاطبه ». وقد تنافس معلوف مع صديقه جان كريستوف روفان (71 عاما)، الطبيب والدبلوماسي السابق والحائز جائزة غونكور عام 2001 ، والذي انضم إلى الأكاديمية عام 2008. وبدا روفان سعيدا للغاية بانضمام صديقه إلى المؤسسة العريقة، إذ توجه إليه حينها قائلا « لدي انطباع بأن أحلامنا جعلت منا أكثر من مجرد أصدقاء، فقد أصبحنا بمثابة الإخوة ». في تموز/يوليو، أنهى أعضاء الأكاديمية النظر في كلمات الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية الفرنسية التي تضم ما يقرب من ضعفَي عدد الكلمات الموجودة في النسخة الثامنة. ومع أن قاموس الأكاديمية يلقى معارضة لغويين كثيرين يأخذون عليه طابعه المتزمت، يُعدّ أداة قيمة لمتابعة تطور اللغة الفرنسية. ومختلف إصداراته مُتاحة مجانا عبر الإنترنت. وتضم الأكاديمية 40 مقعدا يشغل 28 منها رجال وسبعة عائدة لنساء، فيما ثمة خمسة مقاعد شاغرة في انتظار الانتخابات.
اختيار ممتاز
وجرت عملية الانتخاب بصورة مغلقة، خلال الجلسة الأولى للأكاديمية بعد العودة من الإجازة. وقالت وزيرة الثقافة ريما عبد الملك، وهي أيضا فرنسية من أصل لبناني، لدى وصولها إلى مقر الأكاديمية بعد الانتخابات « إنه اختيار ممتاز، (…) كاتب عظيم، ورجل أخوّة وحوار وتهدئة ». وأكدت أن انتخاب معلوف يحمل « رمزية رائعة لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم ». وسيعفى الأمين العام الدائم الجديد على الفور من المهمة التي كرست لها إيلين كارير دانكوس الكثير من الطاقة، وهي إكمال الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية، إذ إن هذه المهمة أوشكت على الانتهاء لكن ثمة مسألتان ملحتان أخريان ستشغلانه.
في المقام الأول: الشؤون المالية. فالأكاديمية الفرنسية، كغيرها من فروع معهد فرنسا تعاني من وضع مالي حساس، إذ تعيش على عائدات أصولها المالية، وعلى الهبات والتركات. في عام 2021، حث ديوان المحاسبة على التجديد السريع لمبنى الأكاديمية الفرنسية في باريس، في مواجهة خطر الحريق. وهذه المهمة لا تزال غير منفذة. كما أن محاولة مستشار المعهد، كزافييه داركوس، لجعل الأكاديميات تخسر من استقلاليتها مقابل ما تكسبه على صعيد اتساق الإدارة، باءت بالفشل، في مواجهة معارضة إيلين كارير دانكوس. كذلك، ثمة مسألة أخرى مرتبطة بجاذبية المؤسسة. ومن بين المهمات المعلنة منذ زمن بعيد في هذا الإطار، إدخال مزيد من العناصر الشابة والنساء إلى الأكاديمية المؤلفة حالياً من 28 رجلاً وسبع نساء، هو هدف يصعب جدا تحقيقه. وثمة خمسة مقاعد شاغرة في الأكاديمية الفرنسية حاليا. لكن هناك صعوبة واضحة في انتخاب أعضاء أصغر سنا، ما تجلى من خلال فشل ضم فريديريك بيغبيدير أو بونوا دوتورتر إلى الأكاديمية عام 2022، عن عمر 57 و62 عاما على التوالي.
كان أمين معلوف، الصحافي السابق المقيم في فرنسا منذ عام 1976، قد فاز بجائزة غونكور الأدبية المرموقة عام 1993 عن رواية « صخرة طانيوس » التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته. ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها « ليون الإفريقي » عام 1986، و »سمرقند » عام 1988، و »رحلة بالداسار » عام 2000، و »إخوتنا الغرباء » سنة 2020. كما ألف معلوف مقالات وقصصاً عدة، بينها « الحروب الصليبية كما رآها العرب » عام 1983، و »موانئ المشرق » سنة 1996، و »الهويات القاتلة » سنة 1998، و »اختلال العالم » عام 2009، و »مقعد على ضفاف السين » عام 2016، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635. كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو. وقد أُنجزت إحدى هذه القصص الأوبرالية، بعنوان « الحب عن بعد » في مهرجان سالسبورغ سنة 2000. وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية. ففي كتاب « بدايات » سنة 2004، تحدّث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه. وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محباً للترحال ومتعدد اللغات. ولد أمين معلوف في بيروت في 25 شباط/فبراير 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحافي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينات القرن العشرين وثمانيناته. وعلى خطى والده، خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الإقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة إثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة، وتولى بعدها إدارة « النهار العربي والدّولي ». وفي عام 1975، شهد الإشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر هذا المثقف الإنساني المغادرة إلى فرنسا. وقال أمين معلوف « لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنّني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان عليّ اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي ».
يوصف أمين معلوف في فرنسا بأنه كاتب « عابر للحدود »، يؤرقه دوما سؤال الشرخ الذي يفصل الغرب عن الشرق. ظلّ في كل أعماله مصمّما على « تقويض » و »هدم » ما أسماه، في خطاب الاستقبال الذي ألقاه في الأكاديمية الفرنسية عام 2011، « جدار الكراهية » بين الأوروبيين والأفارقة، بين الغرب والإسلام، وبين اليهود والعرب. هو أول لبناني يحظى بشرف العضوية في الأكاديمية، وثاني عربي بعد الجزائرية آسيا جبار، تكرّس اسمه ككاتب قادر على بناء الجسور بين الثقافات والانتماءات، منذ كتابه الأول « الحروب الصليبية كما يراها العرب » (1983). وقد ظلّ معلوف مشغولا على الدوام بسؤال الهوية ورفض التقوقع الطائفي، وذلك لسبب وجيه. فهو قد ولد في لبنان عام 1949، لأم كاثوليكية من الأقلية الملكية اليونانية وأب بروتستانتي، حفيد جد تركي تزوج من مصرية مارونية، درس اللغة العربية صغيرا، وتحدّث الإنكليزية في المنزل، وتلقّى تعليمه في المدرسة اليسوعية الفرنسية. وفي سن الثانية والعشرين، أصبح صحفيا، مثل والده، وقام بتغطية سقوط سايغون خلال حرب فيتنام، ونهاية النظام الملكي الإثيوبي، والثورة الإيرانية. نظرا لعدم رغبته في العيش في بلد يعيش حالة حرب أو المشاركة بنشاط للدفاع عن أحد المعسكرات، انتقل إلى فرنسا عام 1976 مباشرة بعد اندلاع الحرب الأهلية، وبعدها بسنوات حصل على الجنسية الفرنسية في عام 1981. عمل صحفيا في البداية، حيث ترأس تحرير مجلة « جون أفريك » لسنوات، قبل أن يتفرّغ نهائيا للكتابة الروائية. أصدر عددا من الروايات التاريخية الناجحة، توّجها بالحصول على جائزة غونكور المرموقة عام 1993 عن روايته « صخرة طانيوس ». كما حصل على جائزة أستورياس للآداب عام 2010، مما جعله أول كاتب فرنسي يحصل على هذه الجائزة الكبرى في الآداب الإسبانية.
ما هي الأكاديمية الفرنسية؟
تأسّست الأكاديمية الفرنسية عام 1635 على يد ريشيليو، « رئيسها وحاميها ». واليوم، يضطلع بهذه الرعاية رئيس الدولة. أما مهمتها الرئيسة فهي العمل على « إرساء قواعد معينة على اللغة الفرنسية وجعلها نقية، فصيحة، قادرة على التعامل مع الفنون والعلوم ». كما تقوم الأكاديمية بإعداد قاموس اللغة الفرنسية وإقرار قواعد الإملاء. أما اللغة التي تدافع عنها فهي تقع بين « ضرورات الاستخدام واحترام القواعد » . وخلال أربعة قرون، أصدرت المؤسسة ثمانية قواميس، وفي كل نسخة تضاف آلاف الكلمات والمصطلحات الجديدة التي تواكب التطور وروح العصر. يعود تاريخ أول قاموس إلى عام 1694، والأخير إلى عام 1930. ومنذ عام 1986، تنشر الأكاديمية طبعتها التاسعة تدريجيا. وفي يوليو/ تموز الماضي، أكمل « الخالدون » فحص كلمات هذه الطبعة التاسعة، أي ما يقرب من ضِعف عدد كلمات الطبعة الثامنة.لكن تطوّر الأبحاث المعجمية وظهور علم اللغة الحديث، وانتشار العديد من القواميس الأخرى، وإنشاء لجان مسؤولة عن الدفاع عن اللغة الفرنسية، قد حدَّ من تفوق الأكاديمية في هذا الميدان، من دون أن يفقدها طبعا الريادة والحضور القوي في المشهد اللغوي الفرنسي، سواء بالنسبة إلى النظام التعليمي أو لدى ممتهني الكتابة والصحافة.
Laisser un commentaire