×

كابوس الهجرة العكسية يهدد الكيان الصهيوني

كابوس الهجرة العكسية يهدد الكيان الصهيوني

Spread the love

باريس  – الفجر –  على مدار أكثر من سبعة عقود، شكلت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل العمود الفقري لوجودها والشريان الحيوي الذي يقدم لها مدد الحياة، لكن في السنوات الأخيرة بدأت إسرائيل تعاني هجرة معاكسة، وتصاعدت بشكل واضح بعد السابع من تشرين الأول الماضي إثر عملية « طوفان الأقصى »، والحرب التدميرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والقصف الصاروخي الذي طال كل المستوطنات في غلاف غزة وصولاً إلى الداخل الإسرائيلي، إضافة إلى عشرات العسكريين والمدنيين الذين تم اختطافهم وما زال معظمهم قيد الاحتجاز، ما أدى إلى تفريغ أجزاء واسعة من الجنوب والشمال من المستوطنين وشعور هؤلاء بعدم الأمان على حياتهم الشخصية وحتى على مصيرهم . أن « إسرائيل كانت تخوض معاركها خارج الحدود اعتماداً على جيشها وما تمتلكه من قوة، وكان ذلك يشكل صمام أمان وجودياً، يوفر للمهاجرين إليها عاملاً مشجعاً للقدوم والعيش والعمل، واستطاعت أن تستقطب الآلاف من يهود الاتحاد السوفييتي السابق وغيرهم من يهود العالم ». لكن إسرائيل التي كانت تتغذى منذ نشأتها عام 1948 على موجات الهجرة إليها بدأت تعاني منذ سنوات هجرة معاكسة، أو ما يسمى « يورديم »، وهو مصطلح عبري لوصف اليهود الذين يغادرونها جراء الانقسامات الداخلية السياسية والدينية من جهة، وتعاظم التطرف والعنصرية، والشعور بعدم الأمن جراء عمليات المقاومة في الضفة الغربية، وتفاقم هذا الشعور بعد السابع من تشرين الأول الماضي، حيث تم ضرب أهم الأركان التي قامت عليها إسرائيل، وهو الأمن والردع، حيث تم تفريغ العديد من المدن والمستوطنات ونقل الآلاف إلى الداخل، ويقدر عددهم بأكثر من نصف مليون ». وكان بن غوريون يردد إن بقاء إسرائيل يتوقف على عامل واحد هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل.. لكن الآن بدأت الهجرة المعاكسة

طوفان الأقصى

أسهمت عملية « طوفان الأقصى » في ارتفاع عدد المهاجرين اليهود بشكل عكسي من إسرائيل، فحسب إحصاءات رسمية غادر الآلاف منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد إخلاء مستوطنات غلاف غزة، وفي ظل استمرار استهداف تل أبيب والمدن الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بصواريخ المقاومة الفلسطينية. وعلى مدار 7 عقود، ظلت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة تحشد رموزها وقادتها وأبواقها الإعلامية لاستقطاب مزيد من اليهود إلى إسرائيل، إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهر ما يسمى بالهجرة العكسية، وهم الذين يغادرون إسرائيل لدول أخرى. ووصل عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل بنهاية 2020 إلى 756 ألفا ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، ثم ارتفع العدد إلى 900 ألف بنهاية العام الماضي، وفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بينما ارتفعت الأعداد بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم. ووفق القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن عددا كبيرا من الإسرائيليين قدّموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء، بشرط حملهم جواز سفر إسرائيليا. بينما كشف موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوروبي، عن زيادة إقبال الإسرائيليين على طلبات الحصول على الجنسية البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بالنسبة نفسها. ووفق صحف إسرائيلية، فإن السبب الأبرز لهذه الهجرة العكسية، هو فقدان الإسرائيليين شعور الأمان بسبب تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى، يلي ذلك أسباب سياسية؛ أبرزها: تخوف الإسرائيليين من اعتماد حكومة بنيامين نتنياهو على أحزاب التيار الديني واليمين المتطرف

دراسة اكاديمية عن الكيان الصهيوني

يسعى الكاتب والأكاديمي الفرنسي البولوني الأصل برونو دروينسكي في هذه الدراسة، التي نقدم ترجمتها العربية إلى الاقتراب من الثوابت والأسس العرقية والدينية التي تحكمت في نشأة وقيام الكيان الصهيوني. ويكشف من ثم المضامين العنصرية والاقصائية التي وجهت باستمرار أيديولوجيا هذا الخطاب ومختلف تحققاته الكارثية، منذ نكبة 1948 والمجازر وعمليات التهجير والإبادة إلى الآن. يعمل الكاتب أستاذا في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس  وهذا نصها

تمثل الصهيونية ذروة اكتمال وتحقق سيرورة هيمنة التيار «العرقي» الذي ابتدأ في نهاية القرن التاسع عشر بتأثير الداروينية الاجتماعية والتيار الوطني الألماني. وسرعان ما استعاد الصهاينة لفائدتهم، الحجج والذرائع التي تعني في المقام الأول «الساميين» الأوروبيين، عوض الساميين «الشرقيين» العرب وبشكل خاص اليهود العرب. وهكذا تحولت دولة إسرائيل إلى قاعدة للعدوان على الشعوب الأصلية لمنطقة الشرق الأوسط، وقد أكدت الحرب التي شنت على العراق ذلك. يتعين علينا كي نتخلص من التمركز العرقي والاستعمار الأوروبيين أن نسائل ليس فقط مسألة وجود اليهود في فلسطين وإنما أيضا قضية دولة متأسسة على مشروعية دينية وعرقية في فلسطين. لن يكون في مقدور اليهود في الحقيقة ان ينعموا بالحرية في منطقة الشرق الأوسط ما داموا عاجزين عن العيش في حال من الاندماج التام داخل مجتمع يشكلون جزءا لا يتجزأ منه.
ينبغي لهذا الاندماج المذكور أن يمر بإعادة اكتساب «السامية» وإعادة امتلاك «الصحراء نفسها» التي أتاحت انبعاث وظهور «أنبياء إسرائيل» والتي حملت كلا منهم على طريقته يسوع ثم محمد. ولن تكون هذه العودة ممكنة دون تحقق درجة من الانصهار بالساكنة المحليين، الذين حرصوا منذ آلاف السنين على حراسة «بيت كنعان» أقصد الفلسطينيين. وكما صرح المهاتما غاندي قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية: هل كان في مقدور اليهود العودة إلى فلسطين، كما كان الحال عليه في ما مضى، لو لم يفرضوا أنفسهم بالقوة، وبدعم الاحتلال البريطاني، ولو عمدوا على العكس من ذلك إلى نسج علاقات أوفر مع الساكنة الاصليين. إذا كان اليهود قد حافظوا ونقلوا جزئيا على امتداد القرون رسالة الأنبياء، فإننا لا نعدم وجود تأثير خارجي أغريقي بشكل خاص، أسهم في تحوير الخاصية الأصلية للديانة اليهودية بشكل لا جدال فيه. وثمة قلة ممن يقرون بأن بناء الهيكل اليهودي في أورشليم قد جرى سلفا مع بناء المسجد الأقصى الذي يقيم الوصل بين الدين الإسلامي وأنبياء إسرائيل والمسيح آخرهم. يمثل أي هجوم «يهودي» على أبناء «إسماعيل» نوعا من «كراهية الذات» ومنزعا نقيضا لليهودية. تشكل الصهيونية في واقع الأمر النقيض لأي عودة إلى الأصول، وتتموقع بوصفها نقيضا لكل ما يؤسس على امتداد قرون إيمان وتمرد أبناء إسرائيل. وبالنسبة للعلمانيين، فإن هذه العودة إلى الاختيار «العرقي» والانكفاء والانغلاق على الذات، يشكلان النقيض للمبادئ الإنسانية والكونية التي وجهت فكر كبار العلماء الإسرائيليين، أو ذوي الأصول اليهودية، ويستوي في ذلك أن يكونوا متدينين أو عقلانيين. ويمكن لمن يرغب في ذلك من اليهود أن ينخرط في فلسطين الجديدة، التي سوف تتخلق من هذا المزيج. وسوف تغلق بتأثير ذلك صفحة الحروب الصليبية والإمبريالية وصراع الحضارات، هكذا إذن تمثل فلسطين في آن واحد، قضية ورثة رسالة إبراهام والعقلانيين والتقدميين.

ما الجدوى ؟

حان وقت رصد حصيلة هذه العقود، التي أعقبت تأسيس دولة إسرائيل. لا يتعلق الأمر بالعرب الذين لم يقطعوا بعد مع حلقة الهزائم فحسب، وإنما بالصهاينة الذين يتحتم على اليهود أن يطرحوا عليهم سؤال الشرعية التاريخية. والسؤال الذي يطرح والحالة هذه: لماذا كل ذلك؟ إن العالم كله والإنسانية بأكملها تعاني بطريقة متنامية من تبعات الصراع في الشرق الأوسط على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية. ويتعين علينا أن نبادر إلى الفعل ليس فقط بتأثير دوافع أخلاقية وإنما من منطلق اهتمامنا المشروع بالقضية الفلسطينية، وإيماننا بأن الوضع في الشرق الأوسط يفرز بطريقة متصاعدة العنف في كل أنحاء المعمورة. تزعم الصهيونية إعادة استرجاع وامتلاك الأرض بعد انصرام قرون من «تشويه» المجتمع اليهودي. يبدو من المثير أن نستنتج أن نسبة قليلة من اليهود أصبحوا مزارعين بعد عودتهم إلى «الأرض الموعودة» وينطبق ذلك أيضا على مستوطني الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967 الذين تعيش غالبيتهم في الضواحي الضيقة المرتبطة أكثر بتل أبيب وحيفا والقدس، عوض الأرض التي يوجدون فيها.
أما في ما يهم الدولة الاشتراكية فان إسرائيل تعتبر البلد الأكثر افتقارا إلى العدالة والمساواة، شأنها في ذلك شأن أي بلد ليبرالي ورأسمالي. ثمة الكثير من العوز والبؤس في أوساط الإسرائيليين. كما أن الكيبوتزات، أي المزارع الجماعية قليلة العدد ومتأسسة على معايير عرقية ودينية، مناقضة للمبادئ الأممية للاشتراكية. هل يمكن اعتبار إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟ مثّل استناد إسرائيل إلى المكون «اليهودي» عائقا أمام المساواة على أساس من المواطنة. يمارس القانون الإسرائيلي التمييز حيال المواطنين الأصليين وترفض طلباتهم للحصول على المساعدة الاجتماعية والمساواة في الحصول على العمل والحق في العيش بكل بساطة، والعمل والمشاركة في الحياة العامة. وتفضل عليهم المهاجرين الذين يتم انتقاؤهم وفق معايير دينية، أو بالأحرى عرقية. وهذا في الوقت الذي يرفض فيه كل الحاخامات اليهود منذ آلاف السنين فكرة دولة يهودية متأسسة على مبادئ الديانة اليهودية وهو ما شكل أحد الثوابت الأكثر رسوخا ووثوقية. ويتحتم على اليهود في انتظار وصول المسيح، الصلاة والخضوع للسلطة القائمة على الأرض، وهم المسلمون في حالة فلسطين. كيف يمكن لدولة أن تضفي الشرعية على وجودها في سياق تاريخ يقدر بآلاف السنين. ثمة فكرة أخرى يتم الترويج لها وتتمثل في أن إليهود في حاجة إلى دولة لحماية أنفسهم من «معاداة السامية» علاوة على «التثبيت التاريخي» المناقض للعقل الإنساني، الذي يحول العداء للسامية إلى معطى متعال وعصي على الاختزال في كل مجتمع، فإنه يتحتم علينا أن نعود إلى البداهة. وإذا جاز القبول بفكرة وجود مكان على سطح الأرض يشكل تهديدا لليهود، فلن يكون سوى إسرائيل؛ حيث تكون حياتهم أكثر عرضة للخطر من أي مكان آخر في أوروبا أو أمريكا. لم تنخرط غالبية يهود أوروبا في المشروع الصهيوني، وقد رفض أولئك الذين نجوا من محرقة أدولف هتلر بشكل واسع المساهمة في المشروع الإمبريالي الصهيوني. وقد قرروا بعد 1945 إما البقاء في أوروبا، أو الهجرة إلى الولايات المتحدة، أو أمريكا الجنوبية أو أستراليا.
وكي نكون أكثر وضوحا فإن أكثر من نصف سكان إسرائيل يحتفظون بجواز سفر أجنبي يمكنهم في أي لحظة من مغادرة بلد لا يعتبرونه وطنا بسبب صعوبة وتعذر العيش داخله. تعيش 85 في المئة من ساكنة إسرائيل داخل شريط ضيق ولا تستمر في الحياة إلا بفضل جرعات الدعم التي تتيحها الولايات المتحدة. لا يتعلق الأمر إذن بحماية «الديمقراطية الوحيدة المهددة» كما تروج لذلك واشنطن. ذلك أن المساعدات التي تقدمها حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل تفوق ما يحصل عليه المواطنون الأمريكيون. لا تشكل إسرائيل والحالة هذه دولة وفق المعنى الدقيق للكلمة، ولن تتوفر على اقتصاد قائم بذاته، إلا إذا اندمجت في محيطها الإقليمي. وهي لا تعدو كونها قاعدة عسكرية أمريكية يمولها دافعو الضرائب الأمريكيين. يتعلق الأمر إجمالا بدولة مصطنعة بشكل كلي، حيث يمثل وجودها في حد ذاته تهديدا للسلام في العالم. وهو ما لا يسع أي شخص القبول به.

 قنبلة موقوتة

لا يستدعي حق عيش الإنسان في وطنه من منظور القانون الدولي أي تبرير. ولا يعتبر قرار الأمم المتحدة رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين قابلا للتفاوض من منظور فلسطيني، وأقصى ما يمكن فعله هو الحصول على بعض التسويات. وربما لهذا السبب اغتيل العاهل الأردني عبد الله عام 1951 الذي كانت قواته على مشارف حيفا بمجرد قبوله بإجلاء جزء من التراب الفلسطيني إبان حرب 1948. تشكل عودة اللاجئين يقينا تهديدا للطابع «اليهودي» لإسرائيل. بيد أنه يستعصي على أي دولة تحترم الديمقراطية، أن تقبل بفكرة الاستناد إلى معايير «عرقية». ولم يشكل قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947 إلى دولتين للعرب واليهود، اعترافا بأي معيار عرقي أو ديني. لم تفلح تل أبيب في واقع الأمر في قلب التوازنات الديمغرافية في الأراضي التي قامت باحتلالها بعد حرب الأيام الستة، التي يقيم فيها حاليا 432 الف يهودي مستوطن. غير أن تكاليف هذا الاحتلال باهظة وتفرغ أرض «إسرائيل « العتيقة من محتواها. يشكل العرب الفلسطينيون أكثر من نصف ساكنة الجليل، باستثناء بعض المستوطنات اليهودية وقاعدة ديمونا النووية. كما أن صحراء النقب التي تعبر بها قبائل البدو الرحل تظل شبه مقفرة بسبب شح الاستثمارات. وتجعل حقيقة كون الفلسطينيين الأغلبية في أرض فلسطين التاريخية من التناقض بين «الدولة الديمقراطية» و»الدولة اليهودية» عصيا على الاحتمال. يمكن للصهاينة أن يكثفوا من استقطابهم لقبائل تائهة مفقودة في إثيوبيا، أو أشباه يهود روس، مما تبقى من الاتحاد السوفييتي، إلا أن الاحتلال يختنق. وفِي المقابل تعود أعداد غفيرة من الصبرا، أي اليهود الذين ولدوا في إسرائيل إلى الهجرة، ولا تراودهم الرغبة في مقاومة الحقيقة المرة لدولة كان من المفروض أن تجعل من اليهود أحرارا واثقين من أنفسهم. كيف يمكننا والحالة هذه أن نتصور تعايش دولتين «عرقيتين» دون الإقدام على عمليات تهجير جماعية مؤلمة. يتحتم والحالة هذه الاختيار بين طرد جماعي للفلسطينيين، أو إنشاء محميات، أو معازل للفلسطينيين بمواطنة وهمية، على غرار نموذج جنوب افريقيا. بيد أن الصعوبات التي واجهت محاولة أرييل شارون لإخلاء مصغر لقطاع غزة من ساكنته الفلسطينية تبرز إلى أي حد تُسبب فيه هذه العمليات الحرج داخل أنظمة ديمقراطية. ولم تفعل المجازر التي ارتكبت في حق الفلسطينيين منذ 1947 حتى الآن سوى أن ضاعفت من عزيمتهم وصمودهم وتعبئتهم من أجل المقاومة

Laisser un commentaire

francais - anglais ..