ماكرون متأهبا لدخول قصرالأليزيه بعد أسبوعين
السياسي الشاب إيمانويل ماكرون الذي لم يشغل أي منصب منتخب وكان مغمورا قبل 3 سنوات، تمكن من الاندفاع بقوة نحو رئاسة الجمهورية الخامسة متأهبا لدخول قصرالأليزيه بعد أسبوعين. ومع أن ماكرون تمكن من إحداث أخطر الاختراقات وأكثرها أهمية في الجمهورية الخامسة، وهزّ الوعي السياسي في فرنسا، بحلوله أولا في أول جولة من السباق الرئاسي (23,7 %)، إلاّ أن فوزه يشكل قوة دفع للمشروع الأوروبي، كونه حرص دائما على إظهار وجهه الأوروبي في انتخابات تنافس فيها عدد كبير من المرشحين المشككين في مصير ومستقبل أوروبا، وهو في هذا المجال يناقض تماما موقف منافسته مارين لوبان التي تدعو الى الخروج من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، والتي ستزاحمه في جولة الانتخابات الثانية، التي ستحسم اسم الرئيس للسنوات الخمس المقبلة في عاصمة الأنوار. وتكتسب هذه الانتخابات طابعها الاستثنائي أيضا من خروج الحزبين الرئيسيين في الدورة الأولى. فمع أن فرنسوا فيون مرشح الجمهوريين وبنوا هامون، مرشح الحزب الاشتراكي، اختيرا في انتخابات تمهيدية لحزبيهما، إلا أن الناخبين رفضوهما. وأخرجوهما من حلبة السباق الرئاسي. وتقول صحيفة « لوموند » في قراءتها لنتيجة الدورة الأولى، إن اليسار الاجتماعي الديمقراطي تراجع لمصلحة اليسار الراديكالي من جهة، والليبرالية الاجتماعية من جهة أخرى، وإن تكن لا تحسم ما اذا كان هذا التوجه سيستمر. فقد خاض وزير الاقتصاد السابق، البالغ من العمر 39 عاما، حملته تحت شعار « لا يمين ولا يسار » ثم « يمين ويسار »، فنجح في تحقيق الحلم الذي راود طويلاً الكثير من الفرنسيين التواقين للتمرد على الأشكال والقوالب السياسية النمطية. ومع أنه حدد موقعه بأنه « ليس من اليمين ولا من اليسار »، فإنه قدّم نفسه مدافعا بشدة عن عزمه على تخطي الانقسامات الحزبية التقليدية. وقال ماكرون، عقب تصدره نتائج الدورة الأولى من الانتخابات، في تصريح لوكالة فرانس برس: « نطوي اليوم بوضوح صفحة من الحياة السياسية الفرنسية »، مضيفا: « عبّر الفرنسيون عن الرغبة في التجديد. إن منطقنا هو منطق الجمع الذي سنكمله حتى الانتخابات التشريعية » في حزيران/يونيو 2017. واستقبل محترفو السياسة من كل التوجهات ماكرون، حين بدأ حملته الانتخابية وهو لم يسبق أن تولى أي منصب منتخب، ببعض الازدراء، وسخروا لفترة طويلة من غموض مشروعه، غير أن وزير الاقتصاد السابق في حكومة الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند بين العامين 2014 و2016 خالف توقعات كل الذين اعتبروه مجرد « فورة » إعلامية. وانسجاما مع رغبة الفرنسيين في التجديد السياسي، راهن هذا المرشح الذي انطلق في حملته من دون أي خبرة انتخابية، على « تغيير البرمجيات » في المشهد السياسي ليصبح من المرشحين الأوفر حظا. واستفاد من المتاعب التي واجهها مرشح اليمين فرنسوا فيون بعد اتهامه رسميا بفضيحة وظائف وهمية لصالح أفراد من عائلته، وحظي بدعم شخصيات أساسية مثل رئيس الوزراء الأسبق دو فيليبان والسياسي الوسطي فرنسوا بايرو، مسجلا تصاعدا تدريجيا في استطلاعات الرأي. وسيتواجه ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات مع مرشحة » الجبهة الوطنية » مارين لوبن (48 عاما). ويمثل ماكرون نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة. وهو موظف كبير سابق في الدولة تخرج في معاهد النخب ثم عمل مصرفيا، ودخل السياسة العام 2012 مستشارا للرئيس هولاند. ومن هذه الخبرة في ظل السلطة والتي تبعتها سنتان على رأس وزارة الاقتصاد، يقول إنه استخلص عبرة أساسية وهي أن النظام السياسي الحالي يعاني من « اختلال وظيفي ». وقال فرنسوا هولاند مؤخرا، في جلسة مصغرة: « أعتقد أن ماكرون، وتحديدا لأنه كان من خارج الحياة السياسية التقليدية، أحسّ بأن الأحزاب الحاكمة ولدت نقاط ضعفها بنفسها، وفقدت جاذبيتها الخاصة، وباتت بالية، متعبة، هرمة ». وحمل هذا الحدس الوزير الشاب، في مطلع 2016، على تأسيس حركته التي اختار لها اسم « إلى الأمام »، ووصل عدد أعضائها إلى حوالى 200 ألف. وتجمع الآلاف من هؤلاء، وبينهم عدد كبير من الشباب، مساء الأحد، في قاعة في باريس ليهتفوا « ماكرون رئيسا »، ورحبوا بالنتائج التي حققها المرشح الداعي الى تجديد الطبقة السياسية. بعد استقالته من الحكومة، قدم ماكرون ترشيحه إلى الانتخابات الرئاسية عارضا برنامجا ذا توجه اشتراكي ليبرالي. ويبني ماكرون كل طروحاته حول خط أساسي يقضي بالتوفيق بين « الحرية والحماية »، فيدعو إلى إصلاح مساعدات العاطلين عن العمل ويقترح تدابير « تمييز إيجابي » لصالح الأحياء الفقيرة. ويستهدف برنامجه بشكل أساسي الطبقات الوسطى التي يقول إنها « منسية » سواء من اليمين أو اليسار. ويعتمد المرشح خطابا خارجا عن إطار الأحزاب التقليدية يتسم بالليبرالية، بالمعنى الأنكلوسكسوني للمفهوم، أي ليبرالية اقتصادية واجتماعية، فيجتذب شبان المدن وأوساط الأعمال. غير أنه لا يحظى بالتأييد ذاته لدى الطبقات الشعبية والريفية المعارضة للعولمة التي يدعو إليها. ويقول منتقدوه إنه « مخادع » مليء بـ »التناقضات ». ماكرون، من هواة الأدب، يزين خطاباته باستشهادات من شعراء، وغالبا ما يصعد اللهجة في تجمعاته الانتخابية. ويطرح ماكرون نفسه كمرشح « الغضب الحقيقي » والتجديد، في مواجهة « الوجوه ذاتها منذ ثلاثين عاما » في الطبقة السياسية، مؤكدا أن « الأوضاع لا يمكن أن تستمر كما هي! »، كما يقول. وقد قال عن نفسه الخميس « إنني محارب، مقاتل، لست رجل ندم وأسف ». وكان ماكرون فاز بتأييد حوالى أربعين خبيرا اقتصاديا معروفا أشادوا في نص مشترك بمشروعه من أجل الاتحاد الأوروبي ووصفوه بأنه « صفقة جديدة » أوروبيا. وجهد هذا المناصر لأوروبا « في الصميم »، لتعزيز موقعه على هذا الصعيد، فقام بزيارة إلى لبنان في نهاية كانون الثاني/يناير والتقى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في منتصف آذار/مارس في برلين، وهو يثير الاهتمام والتعاطف في ألمانيا. وقبل ثلاثة أيام من الانتخابات، تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي أعرب لاحقا على لسان المتحدث باسمه، عن « تقديره » للحديث الذي جرى بينهما، من غير أن يقدم له دعمه الرسمي. وخلافا لمنافسيه، لا يسعى ماكرون الى إخفاء حياته الخاصة ويقوم بحملته برفقة زوجته بريجيت، وهي معلمته السابقة للغة الفرنسية وتكبره بـ24 عاما.
سعيد طانيوس المصدر: وكالات
Laisser un commentaire