×

ألمانيا ومستقبل الاتحاد الأوروبي

ألمانيا ومستقبل الاتحاد الأوروبي

Spread the love

يضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة، ولكن اقتصاداتها وأحجامها وطبيعتها تتباين فيما بينها ما يخلق حالة من التكامل، وتقود ألمانيا هذه القاطرة، إذ تمثل ما يقل قليلاً عن ربع اقتصاد الاتحاد الأوروبي (24%)، وخُمس الاستثمارات المباشرة من دول الاتحاد (21%)، كما أنها أكبر مصدّر بين دوله، وأكبر مستورد من الاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه. وتمثل دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون حوالي 14% من التجارة العالمية في السلع. يعد الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة أكبر ثلاثة لاعبين عالميين في التجارة الدولية. وفيما تتعالى بعض الأصوات المنادية بخروج ألمانيا – أكبر اقتصاد أوروبي منذ عام 1980 – من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف باسم « ديكسيت »، على غرار « بريكسيت » بريطانيا، مع تصاعد اليمين المتطرف، وازدياد وتيرة الاحتجاجات من المزارعين إلى سائق القطارات، فإن أثر الخروج قد يمثل كارثة على الكتلة، وألمانيا على حدٍ سواء. وفيما لا توجد إجابة محددة لحجم الخسائر التي قد يواجهها الاتحاد الأوروبي إذا قررت ألمانيا مغادرة الكتلة، لأن ذلك سيعتمد على العديد من العوامل، مثل شروط الخروج، والتأثير على التجارة والاستثمار والهجرة والاستقرار السياسي. ومع ذلك، حاول بعض الخبراء تقدير العواقب الاقتصادية المحتملة لخروج ألمانيا الافتراضي من الاتحاد الأوروبي، أو . وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة برتلسمان، وهي مؤسسة بحثية ألمانية، فإن خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنسبة 0.3% والناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.5% بحلول عام 2030، مقارنة بالسيناريو حيث تظل ألمانيا في الاتحاد الأوروبي. كما وجدت الدراسة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يخفض صادرات الاتحاد الأوروبي بنسبة 1.7% وصادرات ألمانيا بنسبة 3.2%، ويقلل عدد سكان الاتحاد الأوروبي بنسبة 1.4% وعدد سكان ألمانيا بنسبة 3.9%. وافترضت الدراسة أن ألمانيا ستترك كلاً من الاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة، وستواجه حواجز تجارية أعلى وانخفاض حركة العمالة مع الاتحاد الأوروبي. وتشير تقديرات دراسة أخرى أجراها مركز الإصلاح الأوروبي، وهو مؤسسة بحثية بريطانية، إلى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيكلف الكتلة 0.9% من ناتجها المحلي الإجمالي وألمانيا 1.9% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مقارنة بالسيناريو حيث تبقى ألمانيا في الاتحاد. وتوقعت الدراسة أيضاً أن يؤدي « ديكسيت » إلى خفض صادرات الاتحاد الأوروبي بنسبة 2.3% وصادرات ألمانيا بنسبة 4.7%، وانخفاض عدد سكان الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.8% وعدد سكان ألمانيا بنسبة 2.5%. وافترضت الدراسة أن ألمانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي لكنها ستبقى في السوق الموحدة، وستواجه حواجز غير جمركية أعلى ونفوذاً سياسياً أقل مع الاتحاد الأوروبي.

التضخم المتسارع

ومع ذلك، وفقاً لتحليل أجراه المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية  ، فإن ألمانيا مثقلة حاليا بالحرب في أوكرانيا والانقطاع الكامل لإمدادات الغاز الروسية، الأمر الذي تسبب بالفعل في انكماش بنحو 100 مليار يورو (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي). وسيكون لهذا الانكماش آثار جانبية تتمثل في دفع الاقتصاد إلى الركود وزيادة البطالة إلى جانب التضخم الجامح ونهاية الفوائض التجارية. وبالتالي، وبحسب موقع يورونيوز، فإن القاطرة الألمانية كانت ستتراجع في الربع الرابع من عام 2023 (نمو سلبي بنسبة 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي) بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وانخفاض الإنتاج الصناعي بسبب ضعف الطلب الأوروبي، وركود الاستهلاك المحلي وفقدان القدرة التنافسية أمام بقية دول العالم، مما أدى إلى انخفاض حاد بنسبة 1.2% في الصادرات في عام 2023.من ناحية أخرى، أدى رفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي إلى 4.5% إلى جانب التضخم المتسارع بنسبة 5.9% في عام 2023، إلى ركود الأجور الحقيقية، والتعديلات الضريبية، وتخفيضات الدعم الزراعي في ألمانيا، الأمر الذي كان من شأنه أن يضع الريف الألماني والولايات المتحدة في خطر. كما أن بقية النقابات على طريق الحرب. ويرى تشارلز دوماس من مركز لومبارد ستريت للأبحاث في لندن، أن « العودة إلى المارك الألماني من شأنها أن تضغط على الأرباح، وتزيد الإنتاجية، وترفع دخول المستهلك الحقيقي، لأنه بدلاً من إقراض فوائض المدخرات إلى البلدان الطرفية، يمكن للألمان أن يتمتعوا بمستويات معيشة أعلى في الداخل. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن الاتحاد الأوروبي، سيعمل 7.5 مليون ألماني في قطاع الدخل المنخفض (وظائف صغيرة) ووفقاً لمنظمة  غير الحكومية، فإن نسبة الأشخاص المهددين بالفقر في ألمانيا ستبلغ 14% (16.6% من السكان). وهذا، إلى جانب ارتفاع معدل المهاجرين في ألمانيا (قرابة 20%)، سيؤدي إلى تفاقم مشاعر كراهية الأجانب في المجتمع الألماني (خاصة بين الألمان الشرقيين)، بسبب انخفاض عرض العمل، وما يترتب على ذلك من منافسة شرسة. ولهذا السبب من المتوقع حدوث صعود مذهل للجماعات الإيديولوجية اليمينية المتطرفة في الانتخابات العامة المقبلة في عام 2025.

 الخسائر الاقتصادية

تمثل ألمانيا، أكثر من خُمس ميزانية الاستثمارات المباشرة في الاتحاد الأوروبي، والمقدرة لعام 2024 بنحو 143 مليار يورو، منها 137 مليار من الاستثمارات المباشرة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتستثمر ألمانيا أكثر من 30.3 مليار يورو، وهو ما يمثل 21.2% من إجمالي ميزانية الاتحاد، وفقا للبيانات الإحصائية الأوروبية. وفي حال خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد يلحق الضرر بالدول الأعضاء في الاتحاد، التي تستفيد أكثر من الاستثمارات المباشرة الداخلة إليها أكثر من الخارجة منها، إذ تعد بولندا أكبر المستفيدين، حيث تلقت 16.6 مليار يورو في عام 2022 أكثر مما ساهمت في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وإسبانيا في المركز الثاني بـ (13 مليار يورو) إيطاليا في المركز الثالث بـ (8.4 مليار يورو). تعتمد ألمانيا على الاتحاد الأوروبي في ثلثي وارداتها من السلع، وبقيمة إجمالية بلغت 739 مليار يورو، فضلاً عن 7.65% من قوتها العاملة البالغة 36.6 مليون شخص منها 2.8 مليون من مواطني دول الاتحاد. وفيما لا يمكن تقدير حجم الخسائر الاقتصادية في الوقت الراهن، فإنه بالقياس على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي « بريكسيت »، والتي لم تكن مندمجة مع الاتحاد بنفس القوة التي تضع ألمانيا كقاطرة للاتحاد الأوروبي. خسر الاقتصاد البريطاني 5% مع إتمام « بريكسيت »، وفي حال استخدام نفس المعدل بالنسبة لألمانيا، فإن « ديكسيت » قد تعني خسائر بقيمة 227 مليار يورو لألمانيا.

Laisser un commentaire

francais - anglais ..