ماري لوبان تحلم بانتصار تاريخي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية
وصلت مارين لوبان إلى مشارف الأليزيه في دورة الانتخابات الرئاسية الأولى، لكن دونها ودون اجتياز عتبته العالية ألف عقبة وحاجز، ومع ذلك لا تفقد الأمل ولا الطموح بلقب سيدتي الرئيسة وعلى الرغم من انعقاد الراية لصالح منافسها إيمانويل ماكرون منذ الأن، ما زالت زعيمة الجبهة الوطنية تتابع بحماسة حملتها الانتخابية، متكلمة « باسم الشعب » في قضاياه الحياتية، قبل أن تعود إلى موضوعيها المحببين: الهجرة ومكافحة الارهاب، حتى وهي تحلم بانتصار تاريخي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعد تأهلها الى الدورة الثانية. ومع أن العديد من استطلاعات الرأي كان يعطيها المركز الاول في الدورة الاولى، فقد اكتفت مرشحة « الجبهة الوطنية » بالمركز الثاني الأحد، وحلت وراء المرشح الوسطي الشاب ايمانويل ماكرون الذي حصد 23.75% في حين حصلت هي على 21.53% من الأصوات، وهي نسبة قياسية غير مسبوقة يحصل عليها حزبها في بلاد يعمر تاريخها وثقافتها بعكس شعاراتها المنادية بالخروج من الاتحاد الأوروبي وإيصاد الأبواب أمام اللاجئين والمهاجرين، ومقاومة العولمة التي تجتاح حدود الدول والأمم دون أذونات مرور ولا تأشيرات دخول. ومع أن أخر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد « إيبسوس » و » هاريس » كذلك يوم الأحد، تجمع على أن قصب السبق محسوم لمنافسها ماكرون في الدورة الثانية وأنه سيفوز عليها بنسبة 62% إلى 38% أو 64% إلى 36%، فإن هذه السياسية العنيدة لا تفقد الأمل في الوصول إلى سدّة الرئاسة وتكذيب ما تقوله الاستطلاعات والعرافون والمنجمون، وكل من يقف في طريق طموحها لتكون أول امرأة تنتخب رئيسا لفرنسا، التي كانت من أول الدول التي منحت النساء حقوقهن كاملة وساوتهن بالرجال ، لكنها لم تجرؤ على تسليم زمام الرئاسة والقيادة في الأليزيه لامرأة بعد. فبعد أن اجتازت عتبة الدورة الأولى من الانتخابات ووصلت الى الدورة الثانية، سارعت إلى إعادة تركيز خطاب الفوز الأولي على استياء الفرنسيين « المنسيين » الذين يعانون من البطالة ومن تردي أوضاعهم، مدعومة في ذلك بموجة قومية تجتاح أوروبا وبنزعة تتزايد لإقفال الأبواب والسدود والفضاءات وكل الثغرات بوجه المهاجرين وحتى اللاجئين التعساء الذين لا يسعون إلا للحفاظ على ما تبقى لهم من حق في الحياة ولو في بلاد الغربة البعيدة الموحشة. ومع تسجيلها انتصارها الأول في انتخابات الرئاسة، تشددت مارين لوبن (48 عاما) في خطابها فأضافت الى وعودها الانتخابية وعدا بـ « تعليق الهجرة الشرعية ». وقالت لوبان بعيد إعلان تقديرات نتائج الدورة الأولى « تم تجاوز المرحلة الأولى التي توصل الفرنسيين إلى الإليزيه. هذه النتيجة تاريخية »، معتبرة أن الدورة الثانية المقررة، في السابع من مايو/أيار، ستدفع الفرنسيين إلى الاختيار بين « العولمة المتوحشة » المجسدة بخصمها ماكرون، و »البديل الأكبر ». وأضافت لأنصارها هذه « النتيجة تاريخية. إنها تضع على عاتقي مسؤولية كبيرة للدفاع عن الأمة الفرنسية.. عن وحدتها وأمنها وثقافتها ورخائها واستقلالها ». وتابعت قائلة: « الشيء الأساسي على المحك في هذه الانتخابات هو العولمة المتوحشة التي تهدد حضارتنا »، وحثَّت الناخبين الفرنسيين على التخلص من قيود « النخبة المتغطرسة ». ومع ان المحللين يتوقعون خسارتها في الدورة الثانية من الانتخابات في السابع من ايار/مايو المقبل، لا سيما بعد دعوة المرشح الاشتراكي الخاسر برنار أمون والمرشح الذي حل ثالثا فرنسوا فيون مساء الاحد الى التصويت في الدورة الثانية لمنافسها إيمانويل ماكرون من اجل قطع الطريق عليها، فإن ابنة جان ماري لوبان، أحد مؤسسي حزب « الجبهة الوطنية » العام 1972، ردّت عليهم بالقول عن نفسها إنها « مرشحة الشعب » في مواجهة « يمين المال ويسار المال ». فيما كانت لوبان تحض الرئيس فرنسوا هولاند بنبرة شديدة على القيام « بانتفاضة أخيرة »، وتطالبه بـ »رد أمني أكثر شمولية » في فرنسا بعد الاعتداء الأخير في جادة الشانزيليزيه في وسط باريس مساء الخميس، كان الأخير يخص خصمها ماكرون بتحياته وتهانيه دون أن يتوجه لغريمته المنتقله معه إلى جولة الانتخابات الثانية الحاسمة بأي تهنئة أو تحية. وعلى غرار هولاند، تقاطر أركان حكومته لإعلان تأييدهم لماكرون ورفضهم لانتخاب لوبان رئيسا للبلاد، فدعا رئيس الوزراء برنار كازنوف وسلفه مانويل فالس ووزير خارجية فرنسا جان مارك أيرولت، لمنح الأصوات لماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية من أجل الفوز على مرشحة الجبهة الوطنية و تعطيل خطتها الكارثية لتقسيم فرنسا وشق الفرنسيين . وقال فالس ان « على الجميع أن يدرك أهمية هذه اللحظة وبذل كل جهد ممكن لتوحيد فرنسا ». وخلافا لماكرون، تدعو لوبان إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي ومن اليورو وفرض ضرائب على المنتجات المستوردة، كما تعد بتعليق اتفاقات شنغن لحرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، وطرد الأجانب المدرجة أسماؤهم على لوائح التطرف لدى أجهزة الأمن، وإلغاء حق الجنسية للمولودين على الأراضي الفرنسية. وتصف هذه السياسية الشقراء نفسها بأنها « فرنسية في الصميم وبكل ما فيها » وتقول إنها تتلقى الإهانات الموجهة إلى فرنسا وكأنها موجهة إليها مباشرة ». الجميع اليوم ينتظر نتيجة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ولكن في الخارج كما في الداخل، هناك من يراقب واقعاً فرض نفسه، وهو أن هذه الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على مستقبل فرنسا وأوروبا، وعلى مصير العلاقات الفرنسية مع الخارج، بغض النظر عن الرابح. وفيما تبقى فرنسا المعني الأول بهذا الاستحقاق، ارتأى جيمس ماكوليه أن يخصّها بمقال في صحيفة « واشنطن بوست »، بعنوان « شارل ديغول يتبرّم في قبره نظراً إلى ما الت اليه السياسات الفرنسية »، رأى فيه أن ما سينتج من هذه الانتخابات هو الإجابة عن أسئلة نادراً ما طُرحت سابقاً، وتتعلق بـ جوهر الأمة الفرنسية، وإلى من تنتمي، وكيف يجب إدارتها . ويقول ماكوليه إن الاستقرار يبدو كأنه قد تبخّر في فرنسا العام 2017″، مؤكداً أن « تغييراً هيكلياً مهماً سيطرأ، بغض النظر عن الرابح في الجولتين الانتخابيّتين ». بناءً عليه، يتبادر إلى ذهن الكاتب « احتمال كبير لحدوث انقلاب »، ذلك أنها للمرة الأولى في تاريخ جمهورية ديغول الخامسة، تبدو أحزاب اليسار الوسط واليمين الوسط ــ التي طالما تبادلت الرئاسة الفرنسية ــ ضعيفة. هذا فضلاً عن أن فرنسا تشهد، اليوم، رفضها الخاص والواسع للنظام القائم، « كما حصل في بريطانيا والولايات المتحدة ». لوبان، تعِد بقلب الطاولة على هيمنة المؤسسات الأوروبية والأوساط المالية على القرار السياسي، وإعادة الاعتبار إلى « الشرعية الشعبية » إذا أسفرت مفاجأة غير محسوبة عن فوز لوبان بالرئاسة، فإن المعضلة ستكون أكثر تعقيداً، لأن كافة الأحزاب والتيارات السياسية الفرنسية ترفض التحالف مع « الجبهة الوطنية ». وقد وجه جميع قادتها، بلا استثناء، نداءات إلى الناخبين لقطع طريق الإليزيه أمام اليمين المتطرف، ما سيضع لوبن، في حال فوزها بالرئاسة، أمام معضلة دستورية سوف ترغمها على « حكومة مساكنة » تتولاها الأغلبية التي ستفرزها الانتخابات التشريعية. مساكنة ستحرم زعيمة « الجبهة الوطنية » من غالبية الصلاحيات السياسية، بحكم دستور الجمهورية الخامسة الذي أرسى « نظاماً رئاسياً يستند إلى الشرعية البرلمانية »، حيث غالبية الصلاحيات التنفيذية، باستثناء الدفاع والداخلية والخارجية، بيد رئيس الحكومة، الذي يتحتّم على رئيس أو رئيسة الجمهورية اختياره من الأغلبية النيابية.
المصدر: وكالات سعيد طانيوس
Laisser un commentaire