×

معرض عن المماليك في متحف اللوفر

معرض عن المماليك في متحف اللوفر

Spread the love

 باريس ـ الفجر ـ افتتح متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس معرضًا استثنائيًا يسلط الضوء على حقبة تاريخية مفصلية في تاريخ الشرق الأدنى، تتمثل في فترة حكم المماليك الذين أقاموا إمبراطورية شاسعة امتدت بين مصر وبلاد الشام خلال الفترة من 1250 إلى 1517 ميلادية. يعد هذا المعرض الأول من نوعه في أوروبا والذي يتناول بشكل شامل حضارة المماليك، تلك السلالة التي تشكلت أساسًا من طبقة الرقيق المحاربين المجلوبين من مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، والذين استطاعوا تأسيس دولة قوية شهدت خلالها الحضارة الإسلامية نهضة ملحوظة استمرت لأكثر من قرنين. هذه الحقبة نادرًا ما يُعرض عنها شيء للجمهور العريض »، أن المعرض يبرز كيف كان سلاطين وأمراء وطبقات المجتمع المملوكي النخبوية مهتمة برعاية الفنون، وشجعت على مدى قرنين ونصف القرن الجمالية المجردة التي تعكس تنوع المجتمع المملوكي وتعدد انتماءاته. يضم المعرض الذي يستمر حتى 28 تموز/ يوليو المقبل نحو 260 قطعة أثرية بديعة موزعة على خمسة أقسام موضوعية، تفصل بينها مساحات تفاعلية تنقل الزائر إلى أجواء العصر المملوكي. وتتنوع المعروضات ما بين منسوجات وتحف فنية ومخطوطات ولوحات وقطع من العاج وزخارف حجرية وخشبية نادرة. أن الدولة المملوكية برعت في التخطيط العمراني وأسهمت في تشكيل الهوية البصرية للمدن الكبرى في الشرق الأوسط، مضيفة أن سلطنة المماليك كانت « الممر الإلزامي عبر البحر الأحمر من آسيا إلى أوروبا » لتجارة التوابل والفراء والمرجان والحرير، مما جعلها مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا في ذلك العصر. ومن بين القطع النادرة المعروضة، تبرز مخطوطات مكتوبة بخط اليد مزينة بزخارف نباتية وهندسية بديعة، و »مخطوطات الحج » ذات الزخارف الجميلة التي تشبه مذكرات السفر، إضافة إلى مجموعة استثنائية من المزهريات وقطع الزجاج المنفوخ والمطلي بالمينا والمذهب، التي تعكس براعة الحرفيين في ذلك العصر

سجادة نادرة

كما يحتوي المعرض على سجادة نادرة ذات نمط ثلاث ميداليات على الشكل الهندسي النجمي المميز للعصر المملوكي، وهي معارة من متحف اللوفر أبو ظبي، الذي سينتقل إليه المعرض بدءًا من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل ليتيح الفرصة لجمهور الشرق الأوسط للاطلاع على هذا الإرث الحضاري المهم.  أن « الضوء والشفافية حاضران في كل أرجاء المعرض، كما هي الحال في العمارة المملوكية، ليعبرا عن عالم روحي وخيال يستحضر اللانهاية »، في إشارة إلى العناية الفائقة التي أولاها المنظمون لتصميم فضاء العرض ليتناسب مع روح الحقبة التاريخية. ويقدم المعرض تعريفًا شاملًا بالشخصيات الكبرى في الإمبراطورية المملوكية، من علماء ومتصوفين وكتاب وتجار وحرفيين، رجالًا ونساء، مسلمين ومسيحيين ويهود، موضحًا التركيبة المجتمعية المتنوعة التي ميزت هذه الحقبة. وشكلت القاهرة ودمشق آنذاك المركزين الرئيسين لهذه الإمبراطورية، فيما تميزت سلالة المماليك بنظام فريد قائم على العبودية العسكرية، حيث برعوا كمحاربين وفرسان ورماة مهرة. وكان معظمهم من الأتراك في البداية، ثم من القوقازيين لاحقًا، وكانوا يؤخذون من عائلاتهم وهم أطفال، فيتلقون تنشئة صارمة تغرس فيهم روح الانتماء إلى وحدتهم العسكرية، وتعلمهم مبادئ الإسلام

دور المرأة

ويخصص المعرض جانبًا مهمًا لدور المرأة في العصر المملوكي، وهو موضوع بدأ يلفت انتباه الباحثين منذ نحو عشر سنوات. ورغم أن النصوص القانونية كانت تحصر حياة النساء في المجال المنزلي، إلا أنهن كن في الواقع يتجولن في الأسواق والشوارع ويشاركن في الحياة المجتمعية ».  أن « بعض النساء كن يرتقين في السلم الوظيفي، ويصبحن سيدات أعمال، ويجمعن ثروات طائلة، ويساهمن في بناء الأضرحة والمنشآت العامة »، مثل الست حدق (أو الست مسكة)، العبدة السودانية التي وصل بها الأمر إلى امتلاك ثروة كبيرة وإنشاء وقف خيري ما زال قائمًا حتى اليوم. ومن النماذج البارزة التي يسلط عليها المعرض الضوء، السلطانة شجرة الدر التي تولت حكم مصر لفترة قصيرة بلغت 80 يومًا بعد وفاة زوجها السلطان الصالح أيوب، وكانت تسك النقود باسمها، مما يعد سابقة في تاريخ الدول الإسلامية. كما يبرز المعرض التطور العلمي الكبير الذي شهدته فترة حكم المماليك، ومن بين القطع العلمية المعروضة « اسطرلاب متطور يمكن أن يمثل أحد أسس الثورة الكوبرنيكية

مؤلفات علمية

هذا إضافة إلى مؤلفات علمية في الطب والفلك والرياضيات والهندسة تعكس النهضة الفكرية في تلك الحقبة. جدير بالذكر أن المماليك أثاروا اهتمام الأوروبيين بشكل كبير خلال القرن التاسع عشر، وألهموا الحركة الاستشراقية في الفن والأدب الأوروبي. وكان نابليون بونابرت نفسه معجبًا بمهارات سلاح الفرسان المملوكي، وهو ما ظهر أثناء حملته على مصر في معركة الأهرامات عام 1798، التي صورها الفنان الفرنسي فرنسوا أندريه فنسان (1746-1816) في لوحة شهيرة معروضة في المتحف. ويتضمن برنامج المعرض سلسلة من المؤتمرات والندوات العلمية، من بينها يوم دراسي مخصص لتقديم عرض توضيحي عن الحفريات الأثرية في قلعة حلب، أحد أهم معاقل الدولة المملوكية، وذلك في 15 أيار/ مايو الحالي. ويعد هذا المعرض خطوة مهمة في إعادة الاعتبار لحقبة تاريخية مفصلية في تاريخ العالم الإسلامي، ظلت لفترة طويلة بعيدة عن اهتمام الجمهور الغربي، رغم أهميتها في تشكيل ملامح الحضارة والثقافة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمدن الكبرى مثل القاهرة ودمشق وحلب والقدس بشكل خاص

Laisser un commentaire

francais - anglais ..