الأزمة السورية على مفترق طرق
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا إن عملية التسوية السورية تدخل مرحلة حرجة. وهذا يعني أن وقائع ستحدث في المستقبل القريب قد تؤدي إلى تغيير نوعي في الأوضاع السورية والشرق الأوسط كافة. وهي إما أن تفتح الطريق إلى السلام، أو يدخل الصراع السوري مرحلة جديدة أكثر حدة وخطورة مما هو عليه الآن. وقد جاءت كلمات لافروف حول « المرحلة الحاسمة » من التسوية أثناء المفاوضات مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم 26/04/2017. وفي الوقت نفسه، شدد لافروف على أهمية الحفاظ على اتصال يومي بين جميع المشاركين في عملية التسوية. هذا، ولقد شهدت الفترة الأخيرة ازدياد هذه الاتصالات بين روسيا ودول الخليج، حيث تزامنت زيارة الضيف السعودي إلى موسكو مع حضور ممثلين رفيعي المستوى عن حكومات قطر والإمارات العربية المتحدة، الذين أجروا أيضا محادثات في الكرملين ووزارة الخارجية الروسية. وإضافة الى ذلك، وفي إطار مؤتمر موسكو للأمن الدولي، الذي عقد مؤخرا في العاصمة الروسية، حضر وزراء دفاع وكبار ممثلي القيادات العسكرية–السياسية للعديد من البلدان في المنطقة، من بينهم – وزيرا دفاع إسرائيل وإيران، وليس هناك شك في أن جميع هؤلاء شاركوا ولو بشكل ما في مناقشة تسوية الأزمة السورية، وبالتأكيد سمعوا جميعا وجهة النظر الروسية بأن الوضع في سوريا دخل مرحلة حرجة. ولكن، ما هي المستجدات التي طرأت على الأزمة السورية؟ لا يوجد انكسار ملحوظ بوضوح في الحرب السورية، المحادثات في جنيف وأستانا لم تثبت ما يمكن أن نطلق عليه تسمية « اختراق »، والعلاقات الأمريكية–الروسية بشأن سوريا (وكذلك في مناطق أخرى من العالم) توقفت عند أدنى مستوياتها. وبكلمة أخرى لا نرى في الأفق أي ديناميكية. فالأحداث التي تدور لا تتجاوز الأطر والتوجهات السابقة والمألوفة – إسرائيل تواصل ضرب أهداف في جنوب غرب سوريا بذريعة أنها تريد منع توريد أسلحة متطورة من إيران إلى « حزب الله ». وتركيا تواصل عمليتها العسكرية في شمال سوريا ضد الكرد. أما روسيا فأعلنت مجددا عن بدئها تخفيف وجودها العسكري في حميميم. في حين أن السعودية تستمر في الإصرار على أن الأسد « لا مكان له » في مستقبل سوريا، والكرملين يؤكد بأن بوتين « ليس محاميا للأسد ». وكل ذلك لا بد أننا سمعناه مرارا. ولكن، قد يكون هذا « الهدوء » النسبي – علامة على اقتراب لحظة الحسم، لا سيما أن الأطراف المرتبطة بالنزاع السوري كافة قد استنفدت ترسانة حركاتها الروتينية الممكنة، وبالتالي هي بدأت تستعد لنقلة أكثر نوعية. ويبدو واضحا أن « النقلة النوعية » ستحدث بعد شهر، في أواخر مايو /أيار الجاري، وخاصة أن المنطقة يجب أن تشهد مع حلول هذا الوقت حدثين محوريين: الانتخابات الرئاسية في إيران يوم 19 مايو/أيار، وزيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى إسرائيل يوم 22 مايو /أيار. ولكن لماذا يمكن قراءة هذه الأحداث كمؤشرات موضوعية تتداخل في صلب الأزمة السورية؟ لأنها وقبل كل شيء ترتبط مباشرة بإحدى أهم المشكلات في الشرق الأوسط الحديث، وهي: التوازن العسكري بين إيران وإسرائيل. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج العربية عملت في الأسابيع الأخيرة على ترويج عنوان يفيد معناه أن إيران – هي مشكلة الشرق الأوسط الرئيسة. وتوافقا مع المنطق الذي تسوقه، فإن إيران هي المسؤولة أساسا عن تفاقم الاضطراب في المنطقة بأسرها، وتتفوق بذلك حتى على أعتى التنظيمات الإرهابية مثل « داعش » و »النصرة » و »القاعدة » المحظورة والمصنفة في قائمة الإرهاب عالميا، وأن إيران هي المؤيد ومن دون هوادة للإبقاء على نظام بشار الأسد. وللملاحظة: ليس روسيا، وإنما إيران وضعت في بؤرة الضوء. وتوافقا مع ذلك، فإن « ردع إيران » تحديدا أصبح في الواقع الفعلي الهدف الرئيس المعلن عنه لتحالف الولايات المتحدة، إسرائيل والممالك العربية في الخليج؛ ما يعني أننا سنشاهد فورا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في إيران موجة جديدة من العقوبات على طهران، ستشكل جوهر « النواة الأساسية » للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وسيعلن عنها الرئيس دونالد ترامب شخصيا وعلى الأرجح خلال زيارته إلى إسرائيل. وفي الغالب، وفي إطار هذه الاستراتيجية، ستوضع موسكو أمام خيارين: إما أن تنضم إلى تحالف الولايات المتحدة – إسرائيل – العرب من الخليج ضد إيران، أو أن تبقى وفية لتحالفها مع إيران. وإن تطور الوضع على ضوء هذا السيناريو يبدو غير مواتٍ لروسيا، ويعني ذلك في المقام الأول فقدان موسكو زمام المبادرة في ظل وضع تشح فيه خيارات العمل، وبعبارة أخرى أكثر لطفا لن يكون هذا الوضع مقبولا. في حال اختيار موسكو التحالف مع الولايات المتحدة وتوابعها، فمن الممكن أن تحصل على بعض الفوائد المالية (زيادة الاستثمارات العربية مع وعود أمريكية تقليدية بتخفيف العقوبات)، ولكن روسيا في هذه الحالة ستفقد ماء وجهها وسمعتها وستضطر إلى الاعتراف بأنها لم تتمكن من الاحتفاظ بدورها كقوة عالمية. وواقعيا ستهبط إلى مستوى السعودية وإسرائيل. أما في حال اتخاذ موسكو قرارا لمصلحة الحفاظ على التحالف مع إيران، فإنها ستتهم بدعمها للإرهاب العالمي، مرفقا ذلك بحزمة جديدة من العقوبات وفقدان الأمل في إقامة علاقات بناءة مع الولايات المتحدة والغرب وعموم المعسكر المؤيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكي لا تجد نفسها أمام هذا الاختيار، يجب على موسكو خلال فترة الأسابيع المقبلة اتخاذ خطوات استباقية لبناء استراتيجية منطقية جديدة خاصة بها، واعتمادا على خبرتها يوجد لديها خيارات للعمل في المرحلة الحرجة من التسوية السوربة — برافدا.
Laisser un commentaire